نشرت في .December 04, 2015

 

 

* فيصل الأعور


كان إسقاط طائرة السوخوي الروسية من قبل سلاح الجو التركي، بمثابة شرّ لا بد منه بالنسبة للأتراك، و خطأ فادح بالنسبة للروس.

الأتراك كانوا مضطرين لإسقاط الطائرة التي انتهكت مجالهم الجوي، رغم أنهم يتمتعون بعلاقات حديثة مع الروس، طيبة، و مفيدة جداً. أما الروس فقد تسرعوا لدرجة انهم لم يجهزوا الخطة (ب) ، و هي الردّ الاحتياطي الواضح و المدروس،  فيما اذا أسقطت تركيا طائرتهم.

فوجئت القيادة الروسية، بتمريغ جبهتها بالتراب من قبل تركيا الصديقة اللدودة، و لاحظنا منذ اسقاط الطائرة، ذلك  التردد الروسي و الحيرة ، و ضياع البوصلة،  و العجز عن انجاز موقف مباشر و صريح و قطعي تجاه ما اسموه "جريمة بحق الروس  و طعنة بالظهر". يعرف بوتين ان القيادة العسكرية أخطأت بدفع طيار السوخوي للتوغل داخل المجال الجوي التركي، و تجاهل القيادة للانذارات التركية العشرة التي نقلها اليهم الطيران، دون شك.
لكن من يتابع التراشق الاعلامي الروسي- التركي يستنتج، دون أدنى شك، أن بوتين لم يكن ينوي الرد منذ البداية، و لن يردّ اليوم أو غداً، بما يمكننا وصفه رداً معتبراً  لدولة عظمى، فميوعة الردود الروسية ظهرت مع أول إعلان سخيف بمنع السياح الروس من زيارة تركيا. تلا ذلك الدفع بمظاهرة لمجموعات من الأمن الروسي أمام السفارة التركية في موسكو ، و رشقها بالبيض الفاسد. اذاً هي ردود باهتة شبيهة بغزل الشاب بخطيبته!


و وقع بوتين في حيص بيص، فرفع من مستوى المهاترات، و طالب باعتذار تركي. لكن مطلبه هو اصعب ما يمكن على رجل وطني عاقل أن يقوم به، فهل يمكن لإنسان في موقع سياسي معتبر أن يعتذر عن الدفاع عن وطنه، او الدفاع عن سيادة بلده؟!

إذاً ، كان المطلب الروسي سخيفاً، تلته إزعاجات قام بها موظفون روس -بإيعاز من الحكومة طبعاً- بحق رجال أعمال اتراك، ثم مالت القيادة الروسية إلى منع بعض البضائع الزراعية التركية، عدا الليمون الحامض. و يا للمهزلة!
حرد بوتين،  لعدم تجاوب تركيا مع تحرشاته الجوفاء، و أعلن عدم رغبته بمقابلة أردوغان في مؤتمر المناخ، لكن العنجهية الروسية الفارغة بدأت تشعر بضعفها أمام المستجدات، فالدول الإسلامية أيّدت تركيا، و حلف النيتو كذب ادعاءات القيادة الروسية بشأن عدم توجيه إنذارات للطائرة، و أعلن دعمه و مساندته لتركيا ، كما و العمل على إرسال أسلحة دفاعية تحمي بها نفسها.

أوباما أنّب بوتين بطريقة غير مباشرة، إذ قال بأن على بوتين أن يعي بأن لا حل عسكرياً في سوريا، و أكّد أنه يؤيد تركيا في دفاعها عن نفسها.


أدرك بوتين أن الامور تسير به نحو انعزال دولي، و بات يؤكّد و يشدّد على ضرورة الاعتذار التركي، و كأنه يقول : يا جماعة ، أكرموا عزيز قوم ذل، و أنقذونا من الورطة، فليعتذر أردوغان، و سندعي أننا استلمنا منه تعويضات .

درس بوتين الأمر، و أدرك أن أي حرب  سيخوضها بعيداً عن وطنه ستكون خاسرة. فتركيا تحوز على تأييد الدول الاسلامية و أوروربا وأمريكا و حلف النيتو الذي يضم 28 دولة اوروبية، إضافة الى تركيا نفسها، و بدأ بمراجعة المواقف، و أوعز لوزير خارجيته لافروف بالإعلان عن استعداده لمقابلة  نظيره التركي في مؤتمر الأمن و التعاون في بلغراد ، علّه ينقذ الأمر بأي اتفاق ممكن.

 

أدرك بوتين انه واقع في أزمة حقيقية، فإما أن تتزعزع هيبة روسيا المتضخمة بوتينياً، أو الدخول في متاهات و حرب مع تركيا و حلفائها، و هي حروب يصعب عليه توقع خاتمتها، وقد تكون وخيمة، فدخلت إيران نفسها-العدو اللدود لتركيا في سوريا- على الخط، و عمل محمد ظريف على رأب الصدع بين الدولتين، و أجرى عدة اتصالات هاتفية مع رئيسي الدولتين.

الجميع طالب تركيا و روسيا بحلّ المشكلة بأسرع وقت. تعمقت مأساة البطل البوتيني، إذ أحسّ بعجزه و ضعفه أمام الموقف التركي الرصين و الثابت، ووجد بوتين أن أفضل ردّ له هو  أن يفعل كما فعل البدوي الذي تعرّض لغارة في رزقه، و نهب اللصوص إبله، فقال بعد ذهابهم: " أخذوا الابل ، لكنني أوسعتهم سبابا".


ادرك بوتين كل شيء، لكنه لم يدرك أمراً وحيداً فائق الاهمية، و هو الحل لمشكلته، ألا وهو أن يسحب قواته من سوريا، أو  أن يبادر الى عمل سياسي جادّ يبدأ بمساعدة الشعب السوري على التخلص من الأسد، و العمل على تحقيق رغبة الشعب السوري و أمنيته بالتحرر من الارهاب بالتوازي مع  إقامة دولته الديموقراطية.
و هكذا نجد بوتين اليوم يتحدث بطريقة القيل و القال، و التي تمارسها نساء المصاطب في شوارع الحارات القديمة؛ مرة يتهم تركيا بشراء النفط من داعش، متناسياً أن الأسد نفسه يشتري النفط من داعش،وجاء الرد أمريكياً إذ طالبه البيت الأبيض بمراجعة الأسد في أمر شراء النفط.

ثم اتهم تركيا بدعم الارهاب، و لم يلق أذناً صاغية من قبل أحد. ثم نجده يقول:  "موسكو لن تنسى أبدا هذا الحادث.... الله يعاقب قادة تركيا بحرمانهم من العقل..... على من قتل الطيار التركي أن يعرف أنه أصبح نادماً..... لن نكتفي بخفض التبادل التجاري و الزراعي .... الى ما هنالك من كلام (لا يودي ولا يجيب، كما يقول الاخوة المصريون) !
ترى هل هناك من يساعد المسكين بوتين على التخلص من ورطته؟..... هلموا يا أهل الخير!

فيصل الاعور: مترجم ومدرس

علِّق