عدد القراءات: 3043

هل تنتهي الحروب؟

في محاولة طفولية لإيقاف النزاع في سوريا رأى ابني ذو السبع سنوات أن سبب الحرب هو اختلاف ألوان العلم بين طرفي الصراع، وبالتالي حتى يتحقق النصر وبدلاً من أن يتوجه الرصاص إلى صدور الناس فإنه يكفينا أن نستعمل رصاصاً يحمل ألوناً نضربه على أعلام الطرف الأخر لتصبح بلون علمنا وهكذا ينتهي الصراع!.

يختلف علماء الاجتماع في مسألة:
هل الإنسان بطبعه عنيف ويسعى للحرب؟ أم أن الإنسان لا يحب الحرب ولكنه يضطر إليها؟


ربما يرشدنا الأطفال بفطرتهم إلى أن الرأي الثاني هو الأقرب للحقيقة، فالإنسان الطبيعي لا يسعى للحرب ولا يرضاها، إنما الظروف التي يمر بها والبيئة الاجتماعية التي ينشأ فيها هي التي تقوده إلي الحرب.
إذا كان الأمر كذلك فلمَ تقع الحروب؟ وهل يمكن أن يأتي زمان ينتفي فيه الصراع والعنف ويعيش الناس بسلامٍ دائم؟.
يقول الله تعالى في القرآن الكريم:( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) (الحجرات:9).

 تفيدنا هذه الآية الكريمة بأن السلام الدائم يبدو مسألة نظرية طالما أن احتمال الاقتتال بين المؤمنين وارد، فإذا كان هذا الحال بين المؤمنين الذين من المفترض أن يتحلّوا بمناعة ضد تأثير الظروف - فلا ينساقون بسهولة وراء التخاصم والنزاع - فكيف هو حال غيرهم ممن لا يملكون هذه المناعة؟!.
بالمقابل فإن الآية الكريمة طالبتنا بضرورة الإصلاح وفض النزاع بين الطرفين بأي وسيلة ممكنة، وحتى يكون هذا الإصلاح فعّالاً -لا سيما في حالات الحروب- لا بد أن يكون موضوعياً ومدروساً وليس عفوياً أو اعتباطياً، كما لا بد أن نبذل جهدنا لإطالة مدة الإصلاح وتخفيف حالات النزاع ما أمكن.


لعل معظم الحروب التي حصلت عبر تاريخ البشرية لا تخرج عن إحدى الحالتين التاليتين:

الحرب نتيجة هجوم فعلي: عندما يقوم طرف بالاعتداء فعلياً على طرف ثانٍ، فإنه من الطبيعي أن يدافع الطرف المُعتدى عليه عن حالة الهجوم هذه وتنشأ الحرب.
- الحرب نتيجة هجوم استباقي: عندما يعتقد أو يتأكد طرف ما من استعداد طرف آخر للاعتداء عليه، فيقوم بمباغتة ذلك الطرف الذي يرد بدوره وهكذا تنشأ الحرب.


إذاً تتلخص دوافع الحرب بشيئين:

الطمع والأنانية التي تدفع مجموعة من البشر للاعتداء بغرض تحقيق مصلحة ما، أو الخوف من وقوع مثل هذا الاعتداء، وبالتالي فإن إيجاد طرق ووسائل لامتصاص النزاعات والحد من الصراعات لا بد أن تتضمن رؤية لعلاج تلك الدوافع، بحيث تنضبط طباع البشر فلا يعتدون على غيرهم، ويشعر البشر بالأمان فلا يخافون من اعتداء غيرهم.
من المؤسف ألا يتناول العرب والمسلمون هذا الموضوع بالجدية والواقعية التي نراها لدى الغرب، فمع حاجتنا الماسة إلى ما يخلصنا من كوارث النزاعات والتدخل الخارجي لا تجد لدينا ما يشفي الصدور حول تلك المسائل.
بينما على الطرف الغربي للكرة الأرضية فإن قضايا السلام وفض النزاعات تعتبر علماً مستقلاً يدرس في جامعاتهم وتجرى عليه الدراسات والأبحاث منذ عشرات السنين.


على سبيل المثال قدم (كينيث والتز)أحد السياسيين الأمريكان رسالة ماجستير عام ١٩٥٩م بعنوان:( الإنسان والدولة والحرب) ترجمت إلى العربية عام 2013م، والتي تناقش أسباب الحروب وطرق علاجها، وقد تضمنت العديد من الأفكار والنظريات حول ذلك ومنها:
- نظرية تهذيب الإنسان: يرى أصحابها بأن سبب الحروب هو الصفات السلبية لدى الإنسان الفرد من طمع وأنانية (والتي تولد معه أو يكتسبها من محيطه)، وبالتالي فإن تم تعليمه وتهذيبه فإنه سيترك التفكير في الحرب وكذلك الدعوة إليها.
- نظرية الدولة العالمية: بما أن الحروب تنشأ بين الدول وليس بين الأفراد لذلك فإن اندماج الدول جميعها  تحت دولة عالمية واحدة ينفي ظاهرة الحروب بين الدول.
- النظرية الرأسمالية: يعتبر الرأسماليون أن سبب الحروب هو الفقر، فإن جعلنا التجارة حرة فإن الموارد ستزداد وهكذا يزول الفقر.
- النظرية الاشتراكية: أما الاشتراكيون فيعتبرون النزعات الأنانية للنظام الرأسمالي هي سبب الحروب، بينما تضع الاشتراكية – فيما لو طُبقت داخل الدول - حداً لنفوذ هذه النزعات محققة فرصة أكبر للسلام العالمي.
- نظرية التصويت: لو اعتمدت الحروب على تصويت الاشخاص الأكثر صلة بالحرب ( جندي المشاة مثلاً) لصوتوا ضدها.
- نظرية البدائل: الدول تلجأ للحروب لعدم تمكنها من الحصول على حقها بطرق بديلة فلو وجدت جهة دولية (محكمة دولية مثلاً) تستعيد الحقوق بالضغط والطرق اللاعنفية لاستغنت الدول عن الحروب.
- النظرية القومية: لو تم تأسيس الدول على أساس قومي فإن كل دولة ستقتنع بأرضها وسكانها وبالتالي لن تغزو غيرها.
- الثقافة السياسية: تعتبر هذه النظرية أن الدول تخوض الحروب لتحقيق مصالحها السياسية التي لا تعني الشعوب أبداً، لذلك لا بد من رفع سوية الثقافة السياسية لدى الشعوب حتى لا تقوم بالدعم والمشاركة بأحداث لا تعود عليها إلا بالضرر.
- القدوة: وجود السلاح والتسابق نحو التسلح هو الذي يثير المخاوف لدى الدول، فإن قامت إحدى الدول الكبيرة (فرنسا أو بريطانيا) بالتخلي عن سلاحها فهذا يدفع الباقي لعمل نفس الشيء، وهكذا تزول المخاوف وتزول أداة الحروب بنفس الوقت.


تبقى مسألة اختيار واحدة أو مجموعة من هذه الأفكار أو غيرها ثم وضع آليات تطبيقها على أرض الواقع رهن مناسبتها للزمان والمكان الذي نحن فيه، وبالطبع فإن الباب سيظل مفتوحاً للأفراد والمؤسسات أن يقدموا رؤاهم ودراساتهم وبرامجهم لعلها تنتهي الحروب.

علِّق