عدد القراءات: 5125

كيف تلاشى مفهوم الحرية والديمقراطية في الثورة السورية.؟

 

 

قامت الثورة السورية على مبدأ دحر الاستبداد والسلطة الطائفية، واستبدال كل هذا بالحرية والديمقراطية وسيادة القانون، كان هذا مطلب مشروع لكل الشعب السوري بعد أن تحوّلت سوريا إلى مزرعة يتقاسمها قلة قليلة من الذين يؤدون الطاعة ويباركون (القيادة الحكيمة) ويلعقون حذاء (سيد الوطن).

لكن هذه الثورة التي قامت على أكتاف الجماهير، تعسّكرت واستطالت وجلبت القاصي والداني ليدلو بدلوه في تحديد مسارها وتحديد مآلها، لذلك تحوّلت مع مرور الزمن وازدياد حجم التآمر من فعل جماهيري ضد الاستبداد، ( بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى) إلى حرب بين عصابات، تتناحر حيناً وتتحالف حيناً آخر، لكنها تتشارك دائماً في النهب واستعباد الناس.

 

هذه العصابات تتشابه أيضاً مع العصابة الحاكمة (السلطة الأسدية) في ممارستها الاستبدادية ولا تختلف عنها سوى في الشكل، أي في شكل السلطة المستبدة التي تطمح إلى فرضها على الناس، بل وتمارسها في مناطق نفوذها، والتي تتعدّى الاستبداد السياسي إلى آخر اجتماعي وديني.

من هنا فإن استمرار الحرب والتخنّدق الطائفي والتآمر الدولي والإقليمي على الثورة أفرز معطيات جديدة وأمراء جدد لا يعنيهم -لا من قريب ولا من بعيد-  ما قامت من أجله جماهير الشعب السوري، وشيئاً فشيئاً أصبح البعد التحرري والديمقراطي يتآكل ويتلاشى إلى أن انعدم نهائياً.

السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا وصلت الثورة إلى ما وصلت إليه، ومن المسؤول عن حرف مسار الثورة في الحرية والديمقراطية إلى مسار الأسلمة والارتزاق، وكيف تنطّح أصحاب اللحى والرايات السود لقيادة المشهد؟.

بالعودة إلى الوراء قليلاً، قد يبدو إلقاء الضوء على الظروف التي أحاطت بالضباط المنشقين عن جيش النظام مفيداً من أجل معرفة أحد أهم الأسباب الكامنة خلف انحراف الثورة السورية عن أهدافها. وعند التدقيق في هذا الجانب، سنلاحظ أن معظم الضباط والعناصر الذين كانوا ينشقون من الجيش السوري، كانوا يذهبون إما إلى تركيا أو إلى الأردن ليجدوا في كل من هاتين الدولتين، اللتين تعتبران من (أصدقاء الشعب السوري) معسكرات مغلقة وجاهزة لاستقبالهم مع أسرهم. ومن ثم يتم وضعهم تحت المراقبة ليل نهار، وبحسب شهادة أحد الضباط المنشقين، وهو برتبة عقيد، يشير إلى أن "المعسكر التركي يضم نحو ألف ضابط مع أسرهم ويمنع عليهم الخروج والدخول إلا بإذن من السلطات التركية، حتى من يريد من الضباط ، أن يذهب إلى المشفى يأتي سائق تركي بسيارة تركية كي يأخذه ويعود به إلى المعسكر، وجلّ ما كان مسموح لهؤلاء هو الالتحاق تحت أمرة إحدى الفصائل الاسلامية المقاتلة، أو البقاء تحت أمرة قيادة الأركان"، (تلك القيادة التي تم تهميش دورها إلى أن تلاشى تماما) لكن معظم الضباط كان يرفض الالتحاق بتلك الفصائل ويفضل البقاء تحت إمرة قيادة الأركان، مع معرفتهم الفرق بين الحالتين وانعكاس ذلك على الظروف الحياتية لأسرهم، ورغم إدراكهم المسبق أن الدعم الذي تحصل عليه هذه الفصائل الإسلامية هو ثلاثة أضعاف ما تحصل عليه قيادة الأركان، أي الجيش الحر، على حد تعبير الضابط المنشق.

 

أما المعسكر الأردني فلا يختلف عن نظيره التركي إلا بكونه أكثر إهمالاً على صعيد الحياة المعيشية.

طبعاً الجميع يدرك ما معنى الانضواء تحت راية الفصائل الإسلامية المقاتلة التي تأتمر بأمر الدول الداعمة والممولة، والجميع يعرف مدى حساسية هذه الفصائل، وداعميها، من كلمة حرية وديمقراطية ودولة قانون، إذن مطالب الثورة السورية بالحرية والانعتاق من الاستبداد لم تعد مطروحة على جدول أعمال هذه الأطراف، ناهيك عن أن كلمة "ديمقراطية" باتت خطرة على من يتلفظ بها ولو في السرّ.

من هنا أرى أن هناك انقلاباً جذرياً حصل في مسار الثورة السورية فيما يخص مسألة الحرية والديمقراطية، بعد أن تدخلت دول ما يسمّى (أصدقاء سورية) وعلى رأسهم الولايات المتحدة. هذا التدخل الذي عمل على إخضاع قادة الفصائل الإسلامية المقاتلة، وشراء ذممهم وتحويلهم الى أرباب عمل وأدوات يدفعون الرواتب إلى أتباعهم ويعملون في المقابل على تكديس ثرواتهم، من خلال الإتاوات التي يفرضونها على الناس في مناطق سيطرتهم مقابل حمايتهم.

قد يقول البعض لماذا يتم عرض هذه الصورة القاتمة لما آلت إليه الثورة في حين أن الطاغية مازال في موقعه، وأن الأولوية هي العمل على إسقاطه. أقول لو أننا ومنذ البداية وضعنا الإصبع على الجرح، ولو أننا لم نزر مواقع ( جبهة النصرة) ونعتبرها فصيلاً (وطنياً) ولم نغض الطرف عن إمساك الإسلام المتطرف بزمام الأمور، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه.

لكن أعتقد بالمقابل أن هذه الصورة القاتمة لا تشمل كل الثورة السورية، وأن هذا الانقلاب في مسار الثورة يُستثنى منه بعض النقاط والمواقف المشرقة والمضيئة، وفي مقدمة هذه المواقف هو موقف أبطال مدينة داريا، هذه المدينة التي علّمت السوريين الصمود، سواء في أيام السلم أم في أيام الحرب، لكن هذا الموقف لم يكن بلا ثمن، إذ تم تدمير المدينة وتهّجير أهلها.

خلاصة القول أنه ما من ثورة في التاريخ اعتمدت على أموال النفط ورهنت قرارها السياسي والعسكري إلا وانحرفت عن مسارها وأهدافها، ولنا في الثورة الفلسطينية ومن بعدها الثورة السورية خير مثال.  

 

* بسام جوهر ضابط سابق في الجيش السوري، معتقل لمدة 12 عاماً بسبب معارضته لممارسات النظام، وانتمائه إلى حزب العمل الشيوعي، يقيم الآن في فرنسا بصفة لاجئ سياسي                                           

 

علِّق

المنشورات: 3
القراءات: 31821