عدد القراءات: 18388

الله ... وتبرعات النصارى..!!

في أكبر تبرع بشري في التاريخ أقدم مارك زاكربورغ على التبرع بما يعادل 99 بالمائة من ثروته للعمل الخيري، وهي خطوة تكمل سلسلة الأوقاف المذهلة التي ظهرت في القرن الجديد، ابتداءً بتبرع تيد تيرنر مالك سي ان ان لمبلغ مليار دولار، وتلاه تبرع بلومبورغ عمدة نيويورك وغوردن موور صاحب شركة أنتل بأرقام مماثلة، وصولاً إلى التبرعات التي تجاوز كل منها ثلاثين ملياراً من قبل بيل غيتس وميلدا والوليد بن طلال وادوارد بافيت وأخيراً التبرع الأكبر في التاريخ البشري لمارك زاكربورغ صاحب الفيس بوك الذي يقدر 45 مليار دولار.

 

بالطبع لدي كما لدى القارئ رغبة جامحة أن أكتب عن هذه العبقريات الرهيبة التي تمكنت من تغيير وجه العالم، وعن هذه التبرعات الهائلة والمؤسسات التي ستشرف على تنفيذها ومراقبتها، وبالتالي فلسفة الإحسان الجديدة التي دفعت لقيام هذا الشكل من التبرع، وما يمكن أن يتطور إليه هذا اللون من الأوقاف للعمل الخيري والإنساني...

ولكنني معني في هذا المقال بشرح الخيبة التي تلازم خطابنا الشعبي لدى تلقي مثل هذه الأخبار، وتعكس أشد الأمراض النفسية بؤساً وشوزوفرانيا، حيث يتولى المشايخ عادة تفسير هذا الخير بأنه لون من الرياء والعمل المردود الذي يقوم به نصارى ضالون، أو ملاحدة جاهلون لا قيمة له عند الله، فهو مجرد إنفاق رجلٍ كافر، لا أثر له في الآخرة، حيث سيقدم الله إلى ما عملوا من عمل فيجعله هباء منثوراً...

هذا بالطبع إذا لم نتحدث عن التآمر، والعمل في خدمة الصهيونية والاستعمار والامبريالية التي نشتم بها عادة كل مخالفينا في الرأي والدين، وندمغ بها كل شرفاء العالم وأحراره حين لا يقفون معنا في خندق السقوط والتخلف.

 

ربما لا يحتاج هؤلاء الرائعون لدفاع كهذا، وبالتأكيد لن يتاح لهم أن يقرؤوه، ولكنني معني هنا بالفعل بالكشف عن بؤس الوعي الذي نتخبط فيه حين نحمل هذه النظرة المتعالية المترعة بالغرور والجهل، والمنفصلة عن الأسرة الإنسانية الواحدة التي هدمت كثيراً من الأسوار بين الأمم.

يقول أصدقاؤنا: إن ما تقوله صحيح ولا غبار عليه ولكن حكم العقل هذا مخالف لحكم النقل، والقرآن يقول غير هذا، وتقديم العقل على النقل زندقة.

 ويسوق في حواره على الفور سلسلة من الآيات التي صارت شعبية ومحفوظة لكثرة ما يستدل بها المشايخ في مواجهة التيارات العقلانية:

قل أأنتم أعلم أم الله؟، قل أتعلمون الله بدينكم؟؟ والله يعلم وأنتم لا تعلمون، وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله، فاستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم.

 وهناك أكثر من خمسين نصاً قرآنياً آخر كلها يمكن أن يدلّ ظاهرها على عدم جواز الاجتهاد، ووجوب الخضوع لحكم النص مهما بدا لك أنه ظالم وغاشم، وأن الاجتهاد واستعمال العقل عدوان على الله وعلى شرعه ودينه.

ولكن هذه النصوص موجودة في كل ثقافة وأدب تاريخي، ومن الممكن تماماً أن تجدها حتى في آداب أشدّ الناس دعوة للانفتاح والحرية، حيث يمكن لك أن تقتطع نصوصاً كهذه من سياقاتها، وأن تجعلها سيفاً مصلتاً ضد كل تنوير.

 

وللجدل في هذه النصوص مكان آخر، ولكن الجانب الأكثر استفزازاً هو حشد الآيات التي تشير إلى بطلان عمل الكافرين وزهوق كل خير ينفقونه، وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا، إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار، وأن جهنم هي دار العدل التي سيلقى فيها هؤلاء نفقاتهم وإحسانهم وإنسانيتهم يعذبون خالدين فيها كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب.

ويكاد يكون هذا القول في رفض كل خير يقوم به غير المسلم من أكثر المواقف اتفاقاً بين الواعظين والمشايخ، ونتداول للأسف نصوصاً وفيديوهات كهذه لشيوخ كبار لهم مكانتهم واحترامهم كالشعراوي والبوطي، حيث أجابوا بما يقطع كل جدل بأن الله يقول لهذا المنفق يوم القيامة ماذا أردت بإنفاقك فيقول أردت الرياء والسمعة والشهرة، فيقول أعطوه ما أراد، وجزاؤك في الدنيا نلته وليس لك عندي إلا نار جهنم!!!!
هكذا يختتم مشايخنا الواعظون جواب هذا التساؤل ويقهقهون سعداء بإعجاب الشعب المغفل بهذه الحجج البلطجية في الحوار مع أكثر الأعمال نبلاً وطهارة في الأرض...

 

هكذا أجاب عنه بأنه ما أراد إلا الشهرة والسمعة والتنافس والتفاخر والرياء!! وأنه لا يعرف الله ولم يسمع بالله، وكأن الإيمان والفطرة والضمير والإخلاص شيء لا يبلغه إلا من ولد في هذا الشرق التعيس وأن الله لم يجد بقية من الفطرة السليمة يجود بها على بقية سكان الكوكب فتركهم للشيطان يمنحهم فطرته، وهكذا فإن على هذا المحسن الغبي أن يذهب إلى إلهه فوق الصليب ليطلب منه جزاء ما أنفق حيث لن تجد عند رب العالمين شيئاً.

وما لم يقله حضرة الواعظ هو أن المنفق الذي افتريت عليه أنه قال له لا أريد جنتك، لم يقل أبداً إنني أريد نارك، فإذا كان من حقي أن لا أدخل الجنة فمتى كان حقك أن تدخلني السعير؟؟

 

وبدلاً من ذلك ننصرف إلى بيان ما أعده الله تعالى لمن يتصدق بصدقة الفطر (صاع من شعير أو قمح أو زبيب) وأنها تقع في يمين الرحمن وأنه يربيها لهم كما يربي الرجل فلوه فتكون أمثال الجبال، وهناك يسخر المؤمن من جود الكافر، فيدخل بصاع الشعير الجنة ويذهب الآخر بملياراته إلى الجحيم.

لست أدري أي لون من التربية يتلقاه أبناؤنا في ثقافة الكراهية التي جعلتنا آخر الأمم وأشدهم خيبة وغروراً، وأصابت جيلنا بالتناقض التام بين الواقع والنص، فليس من عاقل ينكر وجود الخير في الناس، ولكن خطابنا المشؤوم لا يرى في النص مكاناً للخيرين والطيبين من البشر، ولا يراهم إلا أعداء يحادون الله ورسوله حتى ينخلعوا عما هم فيه من ثقافة ودين ويلتحقوا بنا في موروثنا المذهبي، الذي يطلّ بهذه الأفكار الإقصائية الاتهامية اللئيمة.

 

فهل نحن بالفعل نعارض القرآن بخطاب الإنسانية، وهل يعتبر تقديم العقل على النقل كفراً بما أنزل الله؟

يؤسفني أن كثيراً من المتدينين والواعظين والأتقياء يقدمون النص القرآني للناس على أنه نص لئيم إقصائي ضيق الأفق، لا يعترف بجهد الناس ولا فكرهم ولا عملهم ولا عطائهم، ويكتفي بزجهم في السعير لمجرد مواقف في الفكر والاعتقاد، نحن غالباً لا نعلم عنها شيئاُ فالله وحده هو من يعرف السرائر والضمائر.

لا أنكر أن القرآن فيه نصوص شديدة ضد الكفار المخالفين ولكن قناعتي أن الكفر المذموم في القرآن ليس مجرد الموقف الاعتقادي، بل هو موقف سياسي ضد من يحارب للمسلمين ودينهم، وفي القرآن عشرات النصوص التي تدل على قبول عمل الناس من المسلمين والمسيحيين واليهود والأديان الأخرى، وأن الله تعلى وحده هو الديان الذي يفصل بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون.

وحين يصدر الناس يوم القيامة ليروا أعمالهم، ونلاحظ أن الآية جاءت بصيغة الناس وليس المسلمين وحدهم، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره، وفي القرآن في وصف عمل النصارى: وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين، وفي القرآن أيضاً في وصف النصارى المنصفين قوله تعالى: أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب، وقوله عند ربهم لا يحتاج لتأكيد أن الثواب الموعود هو ثواب الله وليس مجرد ثواب الناس وتكريمهم.

 

الجدل في هذا الأمر طويل، ولكن ما تريد هذه المقالة تأكيده هو أن زهوق عمل غير المسلم الذي يستدل عليه بنصوص من القرآن يقابله قبول عمل غير المسلم التي تدل له أيضاً نصوص من القرآن، والقرآن حمال أوجه، ولكن الله تعالى لا يمكن أن يكون جاحداً لئيماً ولا شك أنه أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين.

إن ما أريد بيانه هو أننا منحنا هؤلاء الواعظين على مر التاريخ حق توظيف النص الديني فيما يرون واعتبرنا اختياراتهم مسلمات، وها أنا أسوق لك في مقابل الاستدلال اللئيم الذي يمارسونه عشرات النصوص الأخرى في القرآن طافحة بالرحمة والإنسانية والعدالة والإحسان، وكلها تمنح الناس مزيداً من الإيمان.

والفقيه أو الواعظ، هو الذي يمارس تسخير القرآن الكريم في تبرير الشر والجهل ونكران الجميل، والنص حمّال أوجه، فحين يقول مشايخنا في تأويل الآية وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً، إنه العمل الصالح، فلماذا لا يقبلون منا أن نقول إنه العمل الطالح، وأن الله يقدم إلى ما جمعه الكفار المحاربون لله ورسوله من أعمال شريرة وجيوش أعدوها لمحاربة المسلمين فيزهق الله ذلك كله ويجعله هباء منثوراً، وأن الله يهلك الظالمين وجنودهم وما حشدوه لمحاربة الإسلام والمسلمين..

 

إنها في النهاية مسألة تأويل وتوظيف، وليست جدل العقل في مواجهة النص، بل هي جدل النص مع ذاته، والتأويل السلبي لظواهر النصوص، وكان يمكن أن نمارس فيها جميعاً التأويل الإيجابي، فهي تقبل كل تأويل، وقناعتي أن الله تعالى لا يظلم مثقال ذرة من مسلم ومن غير مسلم وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً.

التعليقات

يا بشر كيفايه لعب بعقول البشر باسم الدين والله منكم براء....عمل خير هو عمل خير مهما كانت الجها او الدين او اللغه او الطاءفة او وطنيه ... اعمل خير ولا تبالي لخير البشريه اجمع ولك الثواب عند الله

اتق الله في نفسك وتب الى الله

قدم لنا محاضره طويلة عريضة. بحكم العقل والنقل والتاويل والتفسير ونسي او تناسى انه يوم من الايام كان يقف على منبر رسول الله لساعات يحاضر بالناس وبنفس الوقت يجلس بمجلس الضلم{ مجلس الشعب} ويشارك ب ظلم المسلمين وهل. سيغني عنك مجلس الشعب او حاكم الشعب من الله بشيئ

سلمت يداك ... وحتى يرضى المتسلفون "لأفض فوك" يادكتور !

الموضوع لا يحتاج كل هذا الجدال والتأويلات !! هب ان شخصا "غير مسلم" كرس حياته وافعاله للخير ومساعدة المحتاجين لدرجة لا يتصورها عقل ولدرجة انه بافعاله الخيرة هذه فاق كل عمل خير صنعه مسلم ملتزم قط !! ومات وهو غير مسلم ولم ينطق الشهادتين. هل يا ترى هذا الشخص سيؤجر على ما فعل خيرا عند الله ؟!. طبعا سلفا اقول الله يغفر لمن يشاء وهذا شأنه تعالى. قد يغفر الله له هكذا وبدون سبب او لسبب افعاله الخيرية طيلة حياته. لكن نحن كمسلمين وقارئين لكلام "الله" والله يقول في كتابه بما معناه: .مثل هذا الشخص لم ولن يؤجر ابدا مهما فعل من اعمال خيرية !! اما فيما عدا ذلك فهذا شأن الله تعالى إن أراد ان يرحمه فعل ولا احد يستطيع الاعتراض. لا انا ولا انتم ولا اي مخلوق في الكون نحن فقط كمسلمون واذا سألنا احد هذا السؤال نجيبه "بكلام الله" لا اكثر ولا اقل… يعني لكم ان تعترضوا على كلام الله هذا شأنكم. المهم حكم "الله" كما يقول بكتابه وهو كلام الله يخبرنا انه لن يؤجرا . والحمد لله رب العالمين.

إن الله لا يغفر ان يشرك به ويغفرمادون ذلك لمن يشاء وكل من يبارز الله بكفره فلن ينفعه شي سواء كان شرقيا او غربيا عربيا أو اعجميا

اعتقد ان الدين الاسلامي والقران الكريم اعمق بكثير من نظرة كاتب المقال ونرجو من كاتب المقال يتعمق في الاسلام اكثر لعله يكون طريق خير له

الإيمان شرط قبول العمل ... وليس لك من عملك إلا ما أخلصت فيه لله ... وصاع شعير أبتغي به وجه الله ... أفضل من مليارات تأتي من أعداء الله ... إن كان مارك مخلص في إنفاقه وتبرعه ... فنسأل الله تعالى أن يكلل ذلك بأن ينطق الشهادتين ... وإن كان غير ذلك ... فالنص واضح وصريح ... إن الله لا يغفر أن يشرك به ... إن الدين عند الله الإسلام

الله عز وجل لن يظلمه ... بل سيعطيه جزاءه في الدنيا ... أما الآخرة ,,, فإن الله لا يغفر أن يشرك به وهل يمكن لمن يعبد الله ولا يشرك به أن يكون مساويا لمن يعبد الصليب أو البشر أو ....

علِّق