نشرت في .November 01, 2015

 

* سعيد لحدو


سأل الكاهنُ -وفق طقس الزواج المسيحي- العريسَ أمام جمهور المدعوين في الكنيسة إن كان يقبل بالعروس زوجة له، فأجاب العريس بنعم. ثم جاء الدور على العروس وبعد السؤال التقليدي ذاته فوجئ الكاهن كما الجمهور بقولها: لا... لا أريده !!!!

تملك الكاهن أعصابه على هذه المزحة الثقيلة من العروس، والتي جاءت في غير مكانها ولا زمانها، فكرر عليها السؤال مرة ثانية بهدوء الواثق بعد أن نبه العروس بأن الوقت ليس وقت مزاح. فكان الاندهاش الأكبر عندما أجابته بكل جدية بأنها لا تمزح وهي لاترغب بالزواج من هذا الرجل. فانفجر الكاهن وصرخ منزعجاً: ولكن لماذا لم تقولي هذا قبل الآن؟

فكان جواب العروس: لأن أحداً لم يسألني رأيي من قبل، سيدي الكاهن.

 

لعل حال السوريين اليوم ليس أقل غرابة من حال العروس إياها، مع فارق جوهري أن لا العروس ولا العريس كانا حاضرين في حفلات الأعراس المتنوعة السابقة والآنيِّة وربما اللاحقة منها أيضاً، التي تعقد هذه الأيام في فيينا. بينما كان المدعوون، الذين دعوا أنفسهم بأنفسهم، في غياب كامل لأهل العرس، يقومون بالإجراءات والتنظيم والتحضير ويتفاوضون على شروط عقد الزواج بين بعضهم البعض بحرص شديد كي لا تفوتهم فائتة. ولقد أتحفتنا وسائل الإعلام الحديثة بكل أشكالها وأنواعها، الحاضرة منها والغائبة، بنقل وقائع حفلات الأعراس هذه لحظة بلحظة على إيقاع هدير طائرات الميغ والسوخوي وهي ترمي بباقات الورود وهدايا القيصر بوتين على المستشفيات والأحياء المدنية في حلب وحمص وحماه وإدلب ودرعا ودوما وحرستا وغيرها!!!

 

تلك الهدايا أرسلها بوتين قيصر روسيا الجديد

أولاً: للتعبير عن رغبته الشديدة في إشراك السوريين بعرسهم، وفق الطريقة الروسية، باعتبارهم الغائب الوحيد عن مهرجان الأعراس السورية في فيينا، لأنه يعلم بعد المسافة ومشقات السفر إلى بلد أوربي.  

وثانياً: لإدراكه عدم امتلاك السوريين جوازات سفر أو أية أوراق نظامية أخرى تثبت شخصياتهم، لأنهم تركوا بيوتهم فجأةعلى أمل العودة القريبة ليفوزا بحصتهم من الهدايا التي أرسلها لهم بشار الأسد عربون محبة ووفاء من حليفيه الصدوقين قيصر روسيا وآية الله الإيراني طمعاً في الحصول على أصواتهم في الانتخابات التي أزمع لافروف على إجرائها قريباً في سوريا.

وثالثاً: وهو الأهم، انعدام الرغبة لدى الكثير من السوريين في معاشرة حوريات البحر لانعدام الثقة بقدرتهم على الإفلات من شباك حبها والوصول إلى الشاطئ الآخر للبحر (الأحمر) المتوسط، باعتبار أن ذلك هو السبيل الوحيد للوصول إلى فيينا للمشاركة في حفلات الأعراس تلك.

وللمزيد من متعة المشاهدة كان التنوع والتعددية سمة بارزة لمهرجان حفلات فيينا التي أعدها القيصر بوتين مع أصدقاء الشعب السوري الأوفياء. حيث كانت إجراءات عقد القران، وكي لايهضم حق أحد، تعقد وفق الطقوس المتبعة لدى مختلف الأديان والمذاهب. فمن عقد القران العادي وفق الشريعة الإسلامية التي تسمح بالطبع بتعدد الزوجات، مثنى وثلاث ورباع. إلى زواج المسيار وزواج المتعة والزواج العرفي وغيره كلٌ بحسب الطريقة والمذهب الذي يؤمن به. وإذا أمعنا أكثر في واقع الفعل على الأرض وتأثيراته، سنفهم تماماً لماذا تم إحضار السبايا والغنائم ونكاح الجهاد كعناصر تشويق إضافية للمهرجان.

ولم يغب بالطبع الزواج الكاثوليكي والزواج الأورثوذكسي والزواج البروتستانتي عن هذا المهرجان إن لم نقل أن مناصري هذا النوع من الزواج كان لهم موقع الصدارة في عموم المشهد. كما كان الزواج بحسب الطقس البوذي والبراهمي حاضراً على قلته. وللمزيد من التشويق والإثارة كان اللادينيون والمثليون أيضاً حاضرين رغم اعتراض بعض المدعوين وتذمر بعضهم الآخر من وجودهم. لكن لضرورة الإخراج المسرحي الناجح، والإمعان في التعددية والتنوع، كان لابد من كل هؤلاء.

لكن ما يلفت النظر أكثر في هذا المهرجان تلك الزيجات التي تم عقدها في من تحت الطاولة ومن خلف الستار باعتبارها السر المعلن الذي لم تغب معرفته عن أحد وإن غابت تفاصيله. منها مايتم التلميح إليه من قبل الأهل والأصحاب والمقربين، ومنها مايظل هلامي الملامح، يسمح بالتخمين بأقصى حدوده لكنه لا يقبل التأكيد.

 

العرس إذاً كان يجري الاحتفال به من قبل المدعوين الذين دعوا أنفسهم بأنفسهم في فيينا... بينما ظلت الطبول ، طبول الحرب ذاتها تقرع منذ أربع سنوات ونصف، في حرستا وباقي المناطق السورية البعيدة عن سلطة النظام وهيمنة داعش. في حين ظل الشعب السوري،كما هي حاله منذ أربع سنوات ونصف، يتراقص ألماً على إيقاع تلك الطبول بفعل الجمر الحارق تحت قدميه، وبراميل بركات الموت النازلة على رأسه بفعل عناية وعطف جمهورية إيران الإسلامية وقيصر روسيا المتيم بحماية الأقليات، ومكرمات بشارالأسد الموروثة والمجربة خلفاً عن سلف.

 

علِّق