No votes yet
عدد القراءات: 6906

سوريا التي نعرفها اختفت من الوجود

الكاتب الأصلي: 
Jonathan Spyer
تاريخ النشر: 
21 آيار (مايو), 2017
اللغة الأصلية: 

 

مع سيطرة الروس والإيرانيين على النظام في دمشق، ودعم الولايات المتحدة للمعارضة وعدم وجود جهة قوية كفايةً كي تضغط من أجل الوحدة، فقد أصبح تفكك سوريا أمراً واقعاً.

 

دمشق، سوريا

في ليلتي الأخيرة في دمشق قرر بعض الشباب من أعضاء الوفد الذي ترعاه وزارة الإعلام والذي كنت مشاركاً فيه أن يتناولوا كأساً من الشراب. كان ذلك في أواخر نيسان وكانت المطاعم والبارات تفتح أبوابها وتحظى بزبائن في أمسية ذات نسمات عليلة. دخل صحافي روسي برفقة أحد الجنود الروس بلباسه الرسمي إلى البار المقابل لفندقنا في المدينة القديمة حيث كان زملائي يقيمون، بدأ الحديث بينهم ثم تطور إلى مشادّة.

ووصل الأمر في لحظة أن أشهر الصحفي الروسي مسدساً وصوبه إلى جبهة أحد أعضاء الوفد، ثم دخل فندقنا وهدد أحد الموظفين فيه، حدث كل هذا وصديقه بزيه الرسمي يرافقه بصمت.

كيفية انتهاء الحادثة تروي الكثير عن من يملك السلطة حقاً في المناطق التي يسيطر عليها النظام. فبعد أن رحل الروسيان سارع أعضاء الوفد إلى الاتصال بالسلطات والإبلاغ عن الحادث، عندها سألهم ضابط قوات الأمن السورية عما إذا كان المسلحون روسيين، وعندما قالوا له نعم أجابهم أنه ليس بمقدور السلطات السورية أن تفعل شيئاً.

 

بعد ست سنوات من الحرب ضُمن بقاء نظام الرئيس بشار الأسد، إلا أن الأمر تحول إلى مظهر زائف يفتقر إلى استراتيجية لإعادة توحيد البلاد. لقد أصبحت المصالح المتباينة في بعض الأحيان بين روسيا وإيران من الأعلى والمخاوف المحلية لعدد لا يُحصى من الميليشيات الموالية للنظام من الأسفل هي العوامل الحاسمة وليس قرارات حكام البلاد. هذا يُؤثر على حسابات "النظام" في الحرب في تحديد استراتيجيته في الصراع.

فقط ألقِ نظرة على مسار الحرب في السنة الأخيرة بعد أن بدا أن الأمور تسير لصالح النظام، لقد طُرد الثوار من آخر معاقلهم في حلب الشرقية، مما بدا أنه يُمهد الطريق لهزيمة الثوار في نهاية المطاف. ولكن وبعد خمسة أشهر وفي حين أن الاتجاه العام للحرب كان ضد الثوار فإن قواتهم لا تزال بعيدة عن الانهيار. مازالت محافظة إدلب ومناطق من اللاذقية وحماة وشمال حلب ومناطق واسعة من الجنوب تحت سيطرتهم.

وقد تلقى الثوار في الجنوب دفعة هذا الأسبوع عندما استهدفت غارة لقوات التحالف قوةً عسكرية موالية للأسد كانت تتقدم باتجاه قاعدة تستخدمها القوات الخاصة الأمريكية والبريطانية. إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها على استعداد لاستخدام القوة للدفاع عن الجماعات المتحالفة معها في المنطقة، فمن الصعب تخيل كيف سيتمكن النظام من إعادة السيطرة على تلك المناطق.

 

وعلاوة على ذلك تدعم الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية وهي ميليشيا كردية قوية في حربها ضد داعش. ستبدأ هذه القوات بغزو الرقة قريباً وهي المدينة الأخيرة المتبقية في سوريا تحت سيطرة داعش.

بعبارة أخرى لا معنى للحديث عن انتهاء الثورة، فما زالت بعض فصائل الثورة تملك حيوية وقوة كبيرتين. فهل لدى نظام الأسد استراتيجية لتوحيد البلاد؟ أم أن تقسيم سوريا أصبح الآن حقيقة لا مفر منها؟

خلال عشرة أيام من اللقاءات مع مسؤولين متوسطين وكبار في نظام الأسد في سوريا سعيتُ للإجابة عن هذا السؤال. ما وجدته هو فجوة كبيرة بين نوايا النظام وقدراته العملية لتحقيق هذه الرغبات.

يُعد وزير شؤون المصالحة علي حيدر، وهو مسؤول عمليٌّ ذو خبرة جيدة، شخصية محورية في محاولات الحكومة زيادة الأراضي الواقعة تحت سيطرتها. "المصالحة" هي عملية يُقدم فيها النظام وحلفاؤه للمتمردين المحاصَرين ومؤيديهم "ممراً آمناً" إلى إدلب أو جرابلس التي تسيطر عليها المعارضة، مقابل تخلي الثوار عن المنطقة المحاصرة لصالح القوات الحكومية. في بعض المناطق يُمكن للثوار ومؤيديهم البقاء في المنطقة طالما قَبلوا بسلطة النظام. وقد شهد اتفاق "المصالحة" الأخير نقل الثوار ومؤيديهم من مدينتي الزبداني ومضايا في ضواحي دمشق الغربية إلى مدينة إدلب الواقعة تحت سيطرة المعارضة.

 

يقول حيدر إن وزارة شؤون المصالحة يمكن أن تقود إلى "حل سياسي شامل" للأزمة السورية. وقال أيضاً لوفدنا إن "أكثر من 100 ألف بلدة وقرية "دخلت في المصالحة"، وقد أدرج 3 ملايين سوري في عملية المصالحة، ما يشكل 40% من السوريين المتضررين من الحرب". يبدو أن استراتيجية النظام هي استخدام هذه التسويات التدريجية المتعاقبة من أجل تقطيع أوصال الثورة وإنهائها.

لكن ما لم يذكره حيدر هو أن الاتفاق الأخير تم التوصل إليه بوساطة من قطر أحد الداعمين الرئيسيين للثوار. وقد ساعدت هذه الاتفاقيات حتى الآن في ترسيم الحدود بين النظام والثوار وخلقِ جيوبٍ أكثر تماسكاً أكثر مما حققته من زيادة للأراضي التي يسيطر عليها النظام زيادةً كبيرةً.

إن مصطلح "المصالحة" هو تسمية خاطئة، بطبيعة الحال، فالنظام يريد استسلام الثوار وليس التقارب معهم. ولكن نظراً إلى توازن القوى وبطء العملية يبدو أن هناك فجوة بين الهدف والطريقة لتحقيقه. وفي ضوء ذلك أسأل الوزير حيدر: ما هي استراتيجية النظام لتحقيق النصر وإعادة توحيد البلاد؟

يجيب حيدر "ما يجب أن يحدث هو إنهاء التدخل الأجنبي. إننا نطلب من القوى الأجنبية أن تكف عن دعم المنظمات الإرهابية".

"الإرهابيون" هو تسمية النظام طبعاً لفصائل الثوار. ولكن إذا رفض مؤيدو الثوار من القوى الأجنبية إيقاف دعمهم، كما يحدث الآن، كيف يمكن للنظام إجبارهم على ذلك؟ يبدو أن حيدر لم يكن لديه إجابة عن هذا السؤال.

لم أتطرق إلى شيء آخر مع محمد ترجمان وزير الإعلام المتكلم اللبق في نظام الأسد. ترجمان هو اللسان الفصيح الذي يروي به النظام سرديته لأنصاره.

قال لنا "هناك خطة لتقسيم سوريا إلى كانتونات لإبقائها ضعيفةً خدمةً للكيان الصهيوني".

 

لو كانت هذه الخطة فيبدو أنها وصلت إلى مراحل متقدمة. فبعد كل شيء سوريا اليوم منقسمة إلى ما لا يقل عن سبع مناطق: الأراضي التي يسيطر عليها النظام، وثلاث مناطق منفصلة تحت سيطرة الثوار، ومنطقتان كرديتان، ومنطقة تسيطر عليها داعش. أنا أسأل ما هي استراتيجية الحكومة لإعادة توحيد البلاد؟ يقول ترجمان "لدينا إيمان تام بأن هذا الوضع مؤقت". ويضيف "السبب الرئيسي لهذا اليقين هو أن الشعب السوري بدأ يفهم المؤامرة التي تُحاك ضده".

بعبارة أُخرى لا توجد استراتيجية على الإطلاق، ولكنك لا تجد بعثياً يحترم ذاته لا يتكلم بهذا النوع من نظريات المؤامرة. في الواقع لا يوجد دليل على خطة شاملة لتقسيم سوريا ولا تدعم أي من القوى الرئيسية تقسيم البلاد. انقسام سوريا تحت الأمر الواقع هو نتيجة لعدم قدرة أي من القوى أن تُسيطر على الآخرين وليس نتيجة خطة موضوعة مسبقاً.

ولكنني في محادثة خاصة مع مسؤولين رفضوا الكشف عن أسمائهم وجدت إجاباتٍ أكثر صراحة. فقد قال أحد الجنرالات في الجيش العربي السوري بحذر وهو ينفخ سيجاره الفاخر في مكتبه إن "أي قرار بإنهاء الحرب لا يُمكن أن يُتخذ بدون (سوريا الرسمية)" أي النظام.

هذا الرد المحسوب يرسم صورة الوضع الفعلي جيداً. لا يمكن هزيمة النظام عسكرياً، وهذا نجاح كبير لسياسته وأسلحته. ولكن ليس له أي طريق واضح للانتصار. سألت أحد مسؤولي وزارة الإعلام عن مستقبل شرق سوريا في ضوء تزايد قوة وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في تلك المنطقة. لقد لخص رده الموقف الحقيقي الحالي للنظام: "لا نعرف".

 

إن السبب في افتقار النظام إلى المعرفة هو أن القرارات التي يتخذها الأسد ومن حوله لن تكون العامل الأساسي في تحديد مستقبل سوريا. وكما ظهر في معارك شرقي حلب، فالنظام لا يستطيع إحراز تقدم حقيقي إلا عندما تلتزم القوات الروسية بضمان ذلك. لذا فالسؤال الحاسم هو عن النوايا الروسية وليس السورية، وربما تكون موسكو قد حققت إلى الآن معظم الأهداف التي جاءت إلى سوريا من أجلها. لقد ضمنت أمن قاعدتها العسكرية في اللاذقية وبقاء حلفائها من النظام، وأثبتت فعالية الأسلحة الروسية، وضمنت أنه لن يكون هناك عملية سياسية لتسوية النزاع في سوريا من دون الرجوع إلى موسكو.

هذه إنجازات مهمة. ولكن يبدو أن التزاماً روسياً آخر بإنهاء الثورة يمكن أن يؤدي إلى وضع تجد فيه روسيا نفسها تعاني من ضائقة مالية والتزامات بإعادة إعمار سوريا المدمرة على مبدأ "كسرتها فادفع ثمنها".

يبدو أن العملية السياسية الناشئة من محادثات السلام الجارية في عاصمة كازخستان آستانا تشير إلى أن موسكو تهدف إلى تجميد الصراع السوري في مكانه بشكل أو بآخر، ثم إطلاق عملية سياسية مستمرة. يبدو تشكيل "مناطق خفض التوتر" أنه ترك للسيطرة لصالح الثوار على مساحات واسعة من البلاد، في حين أن الهجوم القادم على الرقة من وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة يظهر التزام الولايات المتحدة المفتوح بدعم وحدات حماية الشعب، مما يزيد من احتمال قيام كيان مدعوم من الولايات المتحدة في شرق الفرات.

 

ومع تحول النظام والثوار إلى مجرد عملاء وعدم وجود رغبة كبيرة من داعميهم بالانتصار المطلق في هذه الحرب، فإن العملية السياسية في سوريا يجب أن تتحول على الأرجح نحو ترتيبات تعترف بتقسيم البلاد.

ستتأثر هذه الترتيبات بشكل أو بآخر بالوضع الذي سيلي سقوط الدولة الإسلامية داعش في شرق البلاد. وهذا يعني أن سوريا ستقسم بين منطقة خاضعة لسيطرة النظام في الغرب ومنطقة للعرب السنة في الشمال والجنوب الشرقي ومنطقة آمنة بضمانة تركية في الشمال ومنطقة لوحدات حماية الشعب في الشمال الشرقي وبعض الترتيبات بين وحدات حماية الشعب الكردية وبعض الثوار المدعومين غربياً في المناطق الشرقية.

ومع استمرار هذه العملية فإن الروس سيواصلون العمل في دمشق كما يحلو لهم ليل نهار، والفجوة بين الخطاب النظامي والواقع ستبقى كما هي، وسيواصل الثوار والأكراد مسيرهم لتحقيق أهدافهم وفي الوقت نفسه ستبقى الحقيقة التي لا يقولها أحد: سوريا التي نعرفها قد ذهبت دون رجعة.

 

 

علِّق

المنشورات: 56
القراءات: 533627

مقالات المترجم