نشرت في .September 01, 2015

 

* زياد ابراهيم

على مدى خمسة أعوام من الثورة السورية، لم تكن الاحداث التي تمر معها بالتوازي في العالم العربي هامشية. فقد قٌدّر لهذه الثورة أن تعيش جنباً الى جنب مع تفاعلات الثورة المصرية وتطوراتها وأيضا الحراك الثوري في اليمن والذي تطور بشكل غير متوقع، إضافة الى سقوط القذافي في ليبيا وما تلاه من أحداث لازالت الى الان تشي بتغير الخارطة السياسية في العالم العربي.

اتسمت الاحداث الموازية للثورة السورية بالقفز الى واجهة الاهتمام الشعبي السوري تارة والغياب عن ساحة الاحداث الهامة تارة أخرى، وظلت تسير بهذه الخطى بين ظهور وغياب الى أن انضمت كل من بيروت وبغداد في حراكهما المدني الى واجهة الاحداث التي باتت حديث الشارع في المنطقة هذه الأيام.

من غير المتوقع اليوم أن تتشابه الاحداث في بيروت وبغداد مع مثيلاتها في الدول العربية الأخرى من حيث الصعود والهبوط على مقياس الاهتمام الشعبي في سوريا، فالأمر في العاصمتين هاتين يبدو مختلفا لعدة أسباب، أهمها الارتباط العضوي بما يجري في سوريا

لأول مرة منذ اتفاق الطائف في تسعينيات القرن الماضي، تخرج الى الشارع في بيروت احتجاجات يميزها التنوع وعدم الانتماء الى فريق سياسي واحد، كما يميزها أيضا المطالب التي تخص الحالة الاجتماعية والمعيشية للمواطنين من ملف النفايات الى الكهرباء والفساد، ما يدل على بدء تغيّر في طبيعة الانقسام المجتمعي لدى شريحة الشباب، وتحوله من الاستقطاب السياسي للفريقين النِدّين(8-14اذار) الى استقطاب جديد بات يضع أولويات الحياة اليومية في صلب اهتمامات المجتمع اللبناني، معبراً عن الاستياء من نظام المحاصصة الطائفية وما آلت اليه البلاد نتيجة لسياسته. 

على المقلب الاخر في بغداد تبدو الصورة القادمة من هناك أشد وضوحاً، فالمظاهرات التي بدأت تملأ الشوارع تتميز بمطالبها التي تخص الحالة الاجتماعية للمواطنين، وأثر نظام المحاصصة الطائفية على تردي أوضاعهم المعيشية، ومحددة بشكل أكبر بتحقيق انفصال السياسة عن الدين وانهاء المنظومة الطائفية التي كرست الفساد في البلاد خلال الأعوام السابقة. فبتنا نشاهد اليوم لافتات وخطابات المتظاهرين العراقيين التي تدعو الى الوحدة الوطنية ومكافحة الإرهاب على الصعيد الوطني وليس الطائفي.

ثمة ارتباط عضوي بين ما يحدث الان في كل من بيروت وبغداد من جهة، وما يحدث في سوريا خلال الأعوام الخمسة الماضية من جهة أخرى، فاللافتات التي تُرفع في مظاهرات بيروت أشبه ما تكون بتلك التي رفعها السوريون في بداية ثورتهم، ولعل الطابع النقدي التهكمي فيها يوضح درجة الاستياء لدى المتظاهرين ويشابه تماما موجة السخرية من النظام السوري ورأسه في بداية الثورة السورية. لكن يبقى هذا التشابه شكلياً إذا ما رأينا بأن الاحتجاجات التي حصلت في بيروت وبغداد وحتى دمشق هي في المحصلة موجهة ضد جهة واحدة على اختلاف اشكالها.

 

يشكل النفوذ الإيراني وأدواته في كل من العواصم الثلاثة العامل المشترك الذي خرجت ضده الاحتجاجات، فبينما يتظاهر العراقيون في شوارع بغداد والبصرة والنجف ضد الاستئثار( الشيعي الطائفي) بالسلطة، الذي انهك البلاد فسادا وانقساما يتظاهر اللبنانيون في بيروت ضد نظام محاصصة طائفية،عطل الجزء (الشيعي الطائفي) منه استحقاقات كبيرة كانتخاب رئيس للجمهورية واجتماعات الحكومة وملف النفايات وغيره من الملفات التي لا تنتهي، أما دمشق فكانت السبّاقة الى الاحتجاجات ضد نظام قمعي، لم يجد له عونا في القضاء على الثورة الا ذات الوحش (الشيعي الطائفي) الذي أمده بكل الدعم الفني والمادي والعسكري وصولا الى إدارة العمليات العسكرية على الأرض بشكل مباشر ضد الشعب السوري.

السياسات الفاشلة للنظام السوري ومن خلفه النظام الإيراني جعلت المنطقة أرضاً خصبة لنمو المنظمات الجهادية المتطرفة، والتي باتت تلقي بظلالها على طول المشهد الممتد من بغداد الى بيروت مرورا بدمشق، ففي حين تحتل الدولة الإسلامية مساحات شاسعة من المحافظات العراقية والسورية، فان شبح التطرف الذي يبدو بعيدا عن لبنان حاليا سيكون نتيجة فعلية إذا ما مارس النفوذ الإيراني ذات السياسات مع الاحتجاجات في الشارع اللبناني.

هذا يؤكد ان تطور المشهد في بيروت وبغداد هذه المرة لا يمكن رؤيته على هامش الثورة السورية، بل هو في صلبها وما ترديد صدى أغاني القاشوش في بيروت، ورفع سقف مطالب المحتجين الا بداية الغيث، وأن تأخر تأثير الثورة السورية على العواصم القريبة كان سببه كمية العنف المستخدمة من قبل النظام السوري ومن خلفه، والتطورات التي فرضها هذا العنف من انزياح للثورة عن أهدافها وكمية الدمار في البنية التحتية، الأمر الذي أدى الى نأي هذه العواصم عن ثوراتها الحتمية مؤقتاً الى أن توفرت الأسباب الداخلية لذلك.

بين بيروت وبغداد اليوم أمل كبير في انهاء حقبة تاريخية من التسلط والديكتاتورية، فهذي الشعوب التي لازالت تبدع كل يوم في الشارع والتي دفعت ثمن هذا التسلط باهظاً، لابد لها من نصر يحملها الى دولة القانون والمواطنة، الدولة التي بات المواطن في توق لها من بغداد الى بيروت ... ذلك الطريق الذي لا بد له أن يمر بدمشق.

 

* زياد ابراهيم

- مدون وكاتب
- مدير مشروع "ميثاق الحرية"

علِّق