عدد القراءات: 24370

نديم بالوش، وتشريع منطق الصفقات مع النظام السوري

 

الاعلان عن موت نديم بالوش منتحراً في أحد السجون التركية في نيسان 2016 سيتطلب مني الكتابة عنه وهو الذي كان جاري في سجن عدرا، والذي سبق وأن حاول حينها الانتحار بقطع شريان يده.

سأنقل على أجزاء  مشاهداتي وذكرياتي مع هذا الرجل الذي ورغم حداثة سنّه إلى أنه كان شخصية معقدة وغريبة تتسم بالغموض والوحشية، وهو ما قد يشرح الشكوك حول ارتباطاته بالنظام السوري خلال أحداث الثورة السورية، وتنقله بين التنظيمات الارهابية، وما تخلله ذلك من ارتكاب جرائم بشعة بحق الثورة والثوار، قبل أن ينهي حياته بطريقة غريبة لا تتّسق مع ادعاءاته الإيمانية والعقيدية، مقفلاً بذلك على سجن من الأسرار أخذها معه.

 

ليس لدى نديم  قدرة على الاقناع، لكنه يملك قدرة على الحديث الطويل إلى درجة الإسهال إلى حدّ يجعلك تستلم أمامه، ويستمر بالاستشهاد بالحديث وبالآيات، يفرض تأويلها على سامعه، ولايستجيب لرأي مخالف، فأنت لديه تسمع وتستجيب أو أنك منحرف وساقط الرأي ومن ثم متهم بدينك.

ثم أنت لا تملك التجارب التي يملكها هو، حيث كان يقول لنا :

" أرجو أن لا تناقشني كثيراً أخي الحبيب بما ذكرت لك.. مشان ما تنصدم... وراجع كلامي فيما أقول ..واعلم أنك بس تقعد بالمنفردات سنتين وشهر مكلبش لتسع أشهر ..وتسجن ست سنين ..وتثبت ستة أشهر باستعصاء بإذن الله، ثم تقتحم على الجيش بسكاكين ..ثم تسد عليك أبواب الشهادة .. ويغلب على ظنك الأسر وتنكيل أعدائك بك ..ثم يظهر الله لك مخرجاً .. بعدها منحكي "

"  أرجو مراجعة ما أقوله  ففيه خير عظيم لك..وستوسع مخك بفهم دينك ..وسيساعدك ذلك على تمييز للحق وعدم الانخداع بالباطل الملبس بالحق ".

بهذه الجمل كان  بالوش يبرر استعلاءه وتعاميه عن رؤية خصومه، ويستطيع أن يأتيك بتبرير أو فتوى من شيخ على ما يعتقد، لأنه متذبع وليس مبتدعاً كما يقول، ومرجعيته هي أبو محمد المقدسي، وكان يستشهد به خلال نقاشاتنا ويطلب مني أن أراجع أقواله حين أخرج من السجن، وأعتقد أن المقدسي صار عليه أن يراجع أقواله وأفعاله بعد ماحلّ بالأمة بسببه وأمثاله، ولذلك فحين قطع نديم شرايين يده وحاول الانتحار  فهو يستجيب لفتوى علي الخضيرالسعودي بأن ينتحر ولايسلم للعدو ولايتكلم بمعلومة لديه، وليلة محاولة انتحاره في سجن عدرا -أقول انتحاره لأنه نفذ ذلك فعلاً ولعله اختار وقت اقتراب حضور العناصر الأمنيين من أجل الافطار لينفّذ فعلته لذلك تم انقاذه- ليلتها قضى إلى وقت متأخّر يشرح مواقع من حياته لزملائه الذين تم عزله عنهم، حيث وضعوه في غرفة كان بها فواز تللو، وهي الثالثة إلى يمين الداخل إلى جناح المنتديات، ووضعوا زملاءه في غرفة أخرى في الجناح؛  تلك التي كان فيها علي العبد لله وكانت الأولى إلى يمين الداخل إلى جناح المنتديات

كانت ليلة طويلة وكان حديثاً وداعياً بالفعل.  قبل تفريقهم جرى اقتحام غرفتهم المجاورة لي في الصباح والتفتيش الدقيق، ووجد السجانون من المفرزة أطعمة مخزنة وقد فاحت رائحتها،حتى أنني سمعت أحد السجانين يكفر ويسب ويشتم على هذا الوخم، وكيف يمكنهم العيش فيه، وطبعا وجدوا ماكانوا يبحثون عنه ولم نعرف ماهو،  ولكنه سبب محاولة الانتحار وللهروب من السؤال ... وهذا السجان من القنيطرة وكان الأوسخ معاملة لنا، وحين اكتشف أمر الموبايل الذي أدخله نديم للسجن ورطوا هذا السجان معهم واتهموه أنه هو الذي أدخله لهم، فجرى سجنه وتعذيبه معهم ولا ندري ماكان من مصيره بعد ذلك.

 

بالوش ومنطق الصفقات

إن أراد نديم ارتكاب جريمة الكيماوي كما ظهر في الفيديو الشهير عام 2013 (تجربة الكيماوي على الأرانب)الذي تبنته كتيبته (ريح صرصر)  فإن الغاية بالنسبة له تبرر الوسيلة ما دامت لإعلاء شأن الدين أو الانتصار له كما يظنّ، ولأن أرواح الفسقة والكفار مباحة .. وإن قتلَ رياض الأحمد فهو فعل ذلك لأنه يبحث عمن يموله ليخرج في سبيل الله حتى لو اتفق مع الطغاة،  فالمهم له أن يحقق ذلك  شرطين كما علّمه لؤي السقا :

لايمكن للجهاد أن يستمر أبداً إلا بعقد الصفقات.. وكل تاريخ الجهاد الحديث كان صفقات.. وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر من يعقد الصفقات.. وبتحقيق شرطين يمكنك عقد أي صفقة مع أعدائك:

- ألا تخالف شرع الله

- ألا تكون عبداً منفذاً

 

صفقة آصف شوكت

يضرب البالوش أمثلة كثيرة ليبرر صفقته مع آصف شوكت فهو يقول :

" الشيخ شاكر العبسي رحمه الله خرج بصفقة مع نفس الرجل آصف شوكت، وخرج معه الكثير من قيادات فتح الإسلام"

ويتحدى بالوش  فيقول:

"الشاطر يرد علي إن استطاع .. مشان نفتح الأوراق:

- لؤي السقا خرج بصفقة مع الأتراك لما اعتقل في عام 2003 ..كان قوامها على عدم العمل فوق الأراضي التركية مقابل غض النظر.

ولؤي السقا أيضاً عقد صفقة مع آصف شوكت بشأن ديتلف ميليس "الصفقة معروفة".

أبو زبيدة كان عاقد صفقة مع المخابرات الباكستانية ..وكان يخرج الأخ من السجن بنفسه ..وكان الشرط عدم العمل فوق الأراضي الباكستانية ..مقابل غض النظر وكان لباكستان مصالح مع طالبان.

الشيخ عبدالله عزام كانت صفقاته كبيرة مع المخابرات الباكستانية وغيرها.

الإخوة في أفغانستان  كانوا.يعقدون صفقات مع المخابرات الباكستانية.

الأخ عياض التونسي رئيس التيار السلفي الجهادي في تونس..خرج بصفقة مع المخابرات التركية .. بحيث عدم العمل فوق الأراضي التركية مقابل غض النظر"

 

حين عقد نديم بالوش صفقة مع آصف شوكت ليخرج من السجن،  فإنه عقدها على أن ينفذ جريمة مشابهة بتلك التي قتل فيها الحريري، فالحريري في نظره أحد أكبر كلاب أمريكا بالمنطقة .. مرتد وعدو لله ورسوله ومحارب لدين الله .. وكانت خطة البالوش  تقوم على أن يتبنى اغتيال الحريري، وأن يعمل على اللقاء مع سعد الحريري أوأحد عناصر حركة المستقبل مثل عقاب صقر،  ويصور ذلك ثم يفضحهم ليؤكد أن سعداً قتل والده كما يروج إعلام النظام، وهو بهذا يعتقد أنه ليس عبدًا منفذاً، لأنه هو من يخطط وينف،  ولأنه طرف في ذلك.

وقد كان بالوش يوهمنا أن آصف شوكت سيصدق ذلك ويطلق سراحه، وعلينا نحن أن نصدق هذا الهراء، لأن هذا النظام غبي وستنطلي عليه حيلة العبقري نديم !!!.

حين خرج بالوش من السجن وفتح محلاً لبيع المقويات الجنسية كان ينفذ شرع الله !،  وحين افتتح المخافر بعد أن شارك في مظاهرات اللاذقية وهو يحمل المسدسات، ثم حين شكل كتيبة ريح صرصر وبدأ يقطع الطرق ويقتل الأبرياء ويشبّح، ويهدد بالكيماوي ليبرر عمل النظام كان يعمل طرفا لنفسه ولايخدم أحداً إلا شرع الله الذي يبيح له فعل المنكرات مادام سيغير وجه التاريخ !!!! أليس هذا عجب من العجاب ؟

 

يحلل صديقنا مؤيد الرشيد ظاهرة نديم بالوش فيقول على صفحته :

" نديم بالوش ظاهرة غير عابرة، وتستحق الدراسة والتوقف عندها... هو تعبير عن العقيدة السوداء، التي تصر على عداء الحياة الطيبة والصادقة. .. ثقافة من التقمص لاتحتاج دائماً إلى أجهزة مخابرات لترعاها. .. نديم النموذج، أنفق حياته وموته من أجلها... نديم أكبر من ظاهرة استخبارات نفعية. .. نديم لم ينهه الموت... كم نديما مازال على قيد الحياة. .... انهم في كل مكان ينشطون تحت الاضواء... ليست القصة في ظاهرة التقمص الأيديولوجي الاسود الذي لا يكتفي بالكيد لقيم المجتمع، بل في كونها ماكينة متكاملة الأداء عن ثقافة العيش تحت الماء وفوق الماء، في وظيفية متكاملة مشروعيتها الرئيسية تأتي من استعداد جزء واسع من المجتمع للخداع والثقافة القشرية، لأن أهداف المجتمع العليا وأدواته في النظر والإختيار مازالت كارثية. .. ستستمر سطحيتنا في دفع المزيد من نديم بالوش للظهور.. مؤلم أن لا يبقى المجتمع أقوى وأكثر مناعة من بعض اذكياءه..."

هذا نديم بالوش كما يقول أحمد أبو الخير وهذا مشروعه، الذي يملك فتاوى كافية تمكنه من الدوس على الدين والعقل والأخلاق للوصول إليه.

---------------------

الأجزاء السابقة من السلسلة:  (الجزء 2)

علِّق