نشرت في .November 18, 2015

* صلاح قيراطة

 

(إدارة التوحش) هو عنوان لكتاب كان قد أعده ونشره (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) ويرتكز الكتاب الذي أُعد خصيصاً ليكون دليلا إرشادياً لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين على تنويع الهجمات وضرب الأهداف اللينة لما يسميه (التنظيم) تحالف الصليبية – الصهيونية، في كل مكان من العالم الإسلامي وخارجه، لتشتيت قوى التحالف ..

 

ويتضمن الكتاب دعوة صريحة الى كل منتسبيه لضرب من هم من الأعداء بالنسبة له، واخذهم على حين غرّة و في غفلة من أمرهم، كاستهداف مواقع سياحية يرتادها (الصليبيون)، وهو ما سيؤدي إلى تشديد الحراسات عليها وزيادة النفقات.

كما يدعو الكتاب إلى تجنيد الشباب الغاضب الذي يتمتع بالطاقة والمثالية ولديهم الاستعداد للتضحية بأنفسهم .

ويحتوي كذلك على إرشادات تدعو لتعرية ضعف أمريكا وقوتها المركزية، ودفعها للتخلي عن الحرب النفسية والحرب بالوكالة، وبالتالي جرها لحرب مباشرة، وفي هذا سيرٌ على خطى تنظيم القاعدة الذي تمكن من جرّ امريكا الى الحرب المباشرة في أفغانستان بعد أحداث الحادي عشر من ايلول/سبتمبر عام 2001 ...

من يرصد آليات تفكير وعمل (تنظيم الدولة) ويقرأ ما هم عليه لجهة القول والفعل، يدرك أنه يريد بعملياته كسر التقسيم الحديّ بين الخير والشر، باعتقاده أن هناك منطقة رمادية لابد من تدميرها، وقد حان وقت اذلك،و سيكون الأمر من خلال إعلان الخلافة...

الواضح أن ما يمكن أن نطلق عليه لقب (الإحيائية العربية السنية المتشددة)، والتي يقودها (تنظيم الدولة)، تعّبر عن حركة دينامية متصاعدة ،وذات خطاب عالٍ، ولديها متطوعون من جنسيات مختلفة لم تحظ بها حركة متطرفة منذ الحرب العالمية الثانية.

فـ (تنظيم الدولة) وهذا واقع الحال، تنظيم تكفيري يعلن الجهاد، وتمكن في أقل من عامين السيطرة على مناطق ذات مساحة تزيد عن مئات الألوف من الكيلومترات المربعة، ويعيش فيها ملايين الناس، ورغم الهجوم عليها من كل رافضيه ومواجهيه في الخارج والداخل، إلا أنها لم تضعف لتاريخه ولم تستسلم على الأقل في الوقت الحالي...

ويلاحظ أن التنظيم ينمو ويتجذّر في المناطق الخاضعة له، ويتوسع في جيوب داخل مناطق آسيا- الأوروبية...

من خلال متابعتي وقراءتي لهذا (التنظيم) الأخطر والأقذر ربما عبر تاريخ البشرية، فإنني أعتقد جازماً أن التعامل معه على أنه حركة متطرفة أو إرهابية سيؤدي ذلك بالضرورة الى التعمية على شروره أو خطره، كما إن وصفه بالعدمية يعبّر عن محاولة تجنب فهمه والتعامل معه ومهمته الداعية الى تغيير العالم. و أن الحديث الدائم عن هدف التنظيم لإعادة عجلة التاريخ للوراء وإلى العصور الوسطى غير دقيقة وفق ما يقول قادته ويصرحون، فهذا أبو موسى وهو مسؤول إعلامي في مدينة الرقة يقول :

(نحن لا نريد عودة الناس لزمن الحمام الزاجل، بل على العكس نريد الاستفادة من التقدم ولكن بطريقة لا تناقض الدين) ...

وهنا اعتقد أن (تنظيم الدولة) يبني سياساته على محاولة إثارة الفوضى والفتنة في كل من آسيا وإفريقيا، وبشكل خاص في المناطق الاسلامية، ليتسنّى له بعد ذلك العمل على ملء الفراغ الذي تحدثه الفوضى وتراجع السلطة، وضياع هيبة الدو،ل نتيجة الضربات المتلاحقة من متشددين وتكفيريين، فينقض (التنظيم) ليفترس أماكن الفوضى هذه، ويطوّع سكانّها الأصليين في أي مكان من أفريقيا أو آسيا، ويحاول في ذات الوقت  صنع (توحش) في أوروبا...

وفي هذا يقوم التنظيم باستغلال الدينامية المثبطة بين صعود التشدد الإسلامي، وإحياء المشاعر المعادية للأجانب لدى الحركات القومية-الإثنية في أوروبا، والتي تقوم بتقويض الطبقة المتوسطة عماد الاستقرار والديمقراطية، بنفس الطريقة التي قامت بها الحركات والفاشية بتدمير الديمقراطيات خلال العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي...

من الخطأ هنا ان نعتقد ولو للحظة أن ما يجذب اللاعبين القتلة في العالم اليوم ليست التعاليم الدينية، بقدر ما يلهمهم القضية المثيرة التي تعدهم بالمجد والرفعة، فالجهاد هو وظيفة تتحقق فيها الفرص وتتساوى، سريعة ومجيدة ومقنعة وربما تكون شكل من اشكال الموضة في الوقت نفسه...

وهنا أجد نفسي مضطراً للاستئناس باستطلاع أجراه معهد أي سي أم في يوليو 2014، وجد أن واحداً من كل أربعة فرنسيين من الفئة العمرية ما بين 18-24 لديهم مواقف متعاطفة مع (تنظيم الدولة)  مع أن نسبة المسلمين تتراوح ما بين 7-8% من عدد السكان فقط ...

فالتنظيم وهذا واقع حاله وما هو عليه، ووفق الدراسات المهتمة به، هو تنظيم يعمل على أن يكون تنظيماً جماعياً، فهناك 3 من كل 4 متطوعين من الخارج ينضمون إليه مع عائلاتهم وأصدقائهم، وكلهم شباب يعيشون مرحلة انتقالية في حياتهم، مهاجرين وطلاباً وشباباً يبحثون عن عمل، أو تركوا بلادهم لينضموا للدولة...

الثابت ان "الرواية مضادة" التي يعتمدها أعداء التنظيم ومحاربيه لازالت قاصرة وغير جذابة وغير ناجحة وسلبية في الأعم الأغلب، لمواجهة المدخل الذي يعتمد عليه التنظيم، فالرواية هذه تركز على مفهوم إدارة الشباب لا الحوار معهم، لكن الثابت ومن خلال النتائج أن التنظيم يقضي مئات الساعات من أجل تجنيد فرد واحد والتعرف على مشاكله الشخصية ومظالمه، وبالتالي يعمل على توظيفها بمكر ومهنية في آن معاً، و على إدراجها في إطار ما يسميه  ويعمل على تجسيده وهو اضطهاد المسلمين...

أعتقد هنا أن المدخل لمواجهة تشدد و إرهاب (تنظيم الدولة) يفتقد الكثير من المظاهر الإيجابية، وأهمها تجنّبه فهم طبيعة الجهاديين، فمن أجل مواجهة تنظيم الدولة، علينا فهم،ه وهو فهم لايزال غائباً عن رؤية الطبقة السياسية والجهات الفاعلة التي تعتمد أسلوب القوة فقط لإجهاضه والقضاء عليه، والثابت أن هذا ليس مجدياً…. أقله حتى الآن.


 

* صلاح خريطة

  • - كاتب، ومحامي

  • - ضابط سابق في الجيش السوري

علِّق