نشرت في .June 02, 2015


تتمحور معظم كتابات أعمدة الصحافة الغربية والأمريكية حاليا حول اتهام أوباما والحكومة الامريكية والحكومات الغربية بالاستهانة بقدرات تنظيم داعش العسكرية والاقتصادية والإعلامية مما رفع رصيد التنظيم وحقق له انتصارات كبيرة كانت في معظمها ناتجة عن سوء تقدير الموقف من قبل أعداء التنظيم وعلى راسهم الولايات المتحدة.
وقد وقع الجميع في هذا الخطأ القاتل بما فيهم كتائب المعارضة السورية التي لازالت تستهين بداعش وقدرتها التدميرية والتوسعية وتتعامل مع هذا التنظيم وكأنه مجرد دمية تدار بريموت كونترول دولي ويمكن إيقافه بكبسة زر.
وقد اعترف الكثير من قادة الدول التي تحارب داعش بهذا الخطأ التكتيكي المرحلي والاستراتيجي أيضا والذي نتج عنه خسارة مناطق شاسعة في العراق وسوريا بما فيها من ثروات لصالح هذا التنظيم الذي يبدو انه يتحرك ضمن خطة توسعية تقرأ الحاضر والمستقبل أيضا وبسرعة تتفوق أحيانا على قراءة أعدائه.
لماذا أختار التنظيم تسخين جبهة ريف حلب ؟؟
انشغل العالم في أيامه الأخيرة بجبهة داعش الجديدة في تدمر، بدأ ذلك بالقلق والخوف على اثار لؤلؤة الصحراء السورية وانتهى بجدل كبير على تفجير سجن تدمر،وتمحورت اغلب لقاءات الميديا عن الوجهة الثانية لداعش بعد تدمر على جبهات ثلاث:
(ريف حمص فحدود لبنان والقلمون  – طريق خناصر اثريا فمعامل الدفاع في السفيرة – السويداء وحدود الأردن ) وكانت معظم تحليلات الصحافة الغربية والعربية ضمن هذا النطاق، الا أن الجبهة التي اشعلتها داعش لم تكن اية واحدة من هذه الجبهات .
كانت الوجهة في عمق الريف الحلبي الشمالي وعلى تخوم مارع وصوران في خطوة كانت مفاجئة للجميع لأنها جبهة هادئة لم تشهد حشودا كبيرة ولم تكن ضمن نطاق التلميح الإعلامي العسكري والسياسي، لكن داعش كالعادة كانت تقرأ الزمان والمكان .
داعش تحاول قطع الطريق على مشاريع تستهدفها :
تعرف داعش تماما ان ما بعد رمضان ليس كما قبله،فثمة تحالف عربي تركي يضع لمساته الأخيرة ضد التنظيم وبشكل يتجاوز المعمعة الإعلامية التي كانت طبيعة هذه الدول .
تغيير واضح في سياسة تركيا ضد داعش وحديث يعلو كل يوم عن المنطقة العازلة الى درجة انها لأول مرة وحدت المعارضة والحكومة التركية في الحاجة الى منطقة عازلة تستوعب السوريين وتمنع عن تركيا مشاكل هي في غنى عنها .
ورغم التردد الأمريكي الواضح في موضوع المنطقة العازلة، وكذلك تخوف الناتو من مغامرة غير واضحة في المنطقة العازلة السورية التي تحتاج موازنات اقتصادية مهمة وأنظمة مراقبة معقدة، وفوق هذا وذاك تحتاج تفويضا دوليا يمنع تحول الناتو من شرطي الى بلطجي، الا ان تركيا تتحدث بوضوح عن اتفاق امريكي تركي على تقديم دعم جوي للمعارضة السورية، وهو ما يعني نواة نظام مراقبة يمكن تطويره فيما بعد الى منطقة عازلة.
وهذه المنطقة المفترضة بالتأكيد ستكون على الحدود التركية وفي منطقة يمكن لتركيا ان تراقبها جويا وتدعمها جويا دون مشاكل دولية، لذلك ستتجنب الصدام مع مناطق الاكراد لاعتبارات دولية وعليه لم يبق امام تركيا الا منطقة اعزاز وما حولها الى مارع وصوران لأنها على حدود داعش وتخوض حربا مع داعش وهو مبرر المساندة الجوية دوليا، على عكس مناطق ادلب وريفها التي صارت خالصة لجبهة النصرة .
أراد داعش قطع الطريق على تركيا، باختياره الهجوم في توقيت يكبل الحكومة التركية ويجعلها عاجزة عن المساعدة المطلوبة، بسبب الانتخابات والضغط الكبير على الحكومة التركية من أحزاب المعارضة وخاصة انها منذ أيام تخوض حربا كبيرة مع المعارضة بسبب تسريبات سيارات الأسلحة التي أرسلت عبر الحدود .
كما ان داعش أراد قطع الطريق على السعودية لمنعها من التحالف مع تركيا من اجل دعم عملي وعسكري للمنطقة العازلة او تقوية جبهات المعارضة .
لذلك بدأت داعش بتفجيرات مناطق الشيعة من اجل تهديد استقرار السعودية السياسي والعسكري طائفيا وكذلك تهديد استقرار العائلة المالكة، باظهار الملك الجديد وحاشيته الجديدة بمظهر الملك الضعيف، غير القادر على حماية مواطنيه .
هل حان الوقت لحرب حقيقية على داعش، تقرأ تفكيره وتسبقه على مراحل ؟
ثمة تقسيم يحكم المنطقة ومعترف به كحال واقع رغم حالة الانكار الكبيرة لهذا الواقع عند الكثير وهذا التقسيم يترسخ كل يوم أكثر مما سبقه، وهو تقسيم أضعف الكتائب التي تقاتل تحت اسم الجيش الحر والنصرة، لان الكثير منها يرفضه حتى كحالة مؤقتة ومرحلية، بينما يعترف به النظام وداعش والاكراد ويقيمون كيانات اجتماعية واقتصادية وسياسية على هذا الاعتبار وهو ما يسمح لهم بهامش مناورة وعمل عسكري وسياسي أفضل بكثير من مناطق الجيش الحر والنصرة، سواء في حلب او ادلب او الغوطة او درعا.
على هذا الأساس داعش تبني كل مقومات الدولة المفترضة،عسكريا واقتصاديا وسياسيا واعلاميا . سواء اتفقنا معها ام اختلفنا الا انها تتعامل بعيدا عن منطق التنظيم والميليشيا وتقترب من منطق الدولة والرعايا وان كانت دولة قادمة الماضي السحيق في القرن الواحد والعشرين.
عسكريا بدأت داعش تستفيد من سياسة النظام العسكرية الذي انتقل عمليا واعلاميا الى سياسة المدافع عن الدولة المقسمة والمناطق التي تهمه فقط، لذلك صارت تركز على تخليصه المناطق التي تفيدها اقتصاديا او عسكريا او إعلاميا وتعرف انها ضمن المناطق التي قرر التخلي عنها ولو دون اعلان، والاهم اختيار المناطق التي فيها سلاح كثير او ثروات كثيرة .
كما بدأت داعش تركز على تقوية جيشها عبر استقطاب الخبرات العسكرية الدولية واخرها مدير الامن في طاجكستان وكذلك العمل على تأسيس جيش منظم بعتاد وسلاح وشبكات تمويل وامداد دولي عبر مافيا كبيرة، وكذلك وضع سياسات اقتصادية عبر الاهتمام بأماكن الطاقة والثروات الطبيعية وكذلك تجارة الاثار التي صارت مادة مهمة في الاعلام الغربي .
ولهذه الأسباب مجتمعة . مهم جدا لداعش توحيد الحدود العراقية السورية في مناطقها والمحافظة على طرق محمية على طول الحدود السورية الى عمق الدولة الداعشية في الريف الشمالي .
ومهم جدا في هذا الاتجاه محافظة داعش على معابر مهمة الى تركيا، تجعلها مسيطرة على طرق التهريب بكل انواعه من الاثار حتى السلاح والمواد الغذائية.
وعلى هذا الأساس يبدو ان افضل الحلول لقوة المعارضة ان تتفق على شكل إدارة لمناطقها يبعدها عن سياسة الإدارة حسب الكتائب الفاتحة للمناطق لتدير مناطقها كدولة مرحلية تمنع انهيارها امام داعش التي تنتقل من التنظيم الى الدولة وربما نشهد قريبا مطارات داعشية كما صرنا نشهد الهوية الداعشية والمؤسسات الداعشية.
ريف حلب في خطر لأن داعش تخوض فيه معركة وجود، لا مع الكتائب المعارضة وانما مع من وراءها من الدول وهي تحشد لحرب كبيرة تعرف انها لم تحن بعد لانشغال هذه الدول وهذا الانشغال لن يدوم طويلا ...

علِّق