عدد القراءات: 6636

مسلسل جنيف والحلقة المفرغة.!

 

* لؤي صافي

 

لؤي صافي.jpg

مفاوضات جنيف انتهت إلى فشل ذريع في المحاولة الأخيرة لإعادة أحيائها.

الحلقة الثالثة من مسلسل جنيف لم تشهد أي تطور في آليات التفاوض وشروطه، بل ظهر للجميع أن الجهود التي بذلتها الأطراف الدولية تعكس حالة من التراجع المخيف. القيمة الوحيدة للجهد المبذول ذو دلالة دبلوماسية وإعلامية بعد أن تحولت جنيف إلى أداة يستخدمها البيت الأبيض والكرملين شماعة للتهرب من مسؤولياتهما في إنهاء حمام الدم في سورية، ووقف قوافل المهاجرين من جحيم الصراع المسلح في سورية والعراق، وإقناع العالم أنهما لا زالتا تبحثان عن حل سياسي للصراع.

 

مسلسل جنيف أظهر لمن له عين ترى وفؤاد يتأمل أن نظام الأسد لن يتخلى طوعا عن السلطة، وأن حلفاءه لا يرغبون في البحث عن بديل عن الطغمة الحاكمة لإدراكهم أن التغيير سيؤدي إلى إنهيار النظام. هذه الحقيقة ظهرت للعيان قبل سنتين عندما أعلن المبعوث الأممي السابق الأخضر الإبراهيمي أن النظام لم يبد أي رغبة في التفاوض لبدء مرحلة انتقالية تسمح بقيام نظام سياسي جديد يسمح بقيام توافق وطني، ليتم تأكيدها من جديد في الجولة الأخيرة من "المفاوضات".

إدارة أوباما فضلت وضع ثقلها في محاربة الإرهاب بدلا من تحقيق حل سياسي يجفف منابعه، ووجدت في محاربة داعش حلا سحريا لكل المشكلات في المشرق، ولا زالت تعمل على إقناع حلفائها بالتركيز على محاربة إرهاب داعش، بوصفه الحل الفعال لإنهاء مشكلات الصراع في سورية والعراق. لكنها لا ترى في سعيها المحمول إلى تبسيط طبيعة الصراع وتجاهل دور نظام الأسد وإيران في إيجاد البيئة الحاضنة للإرهاب أنها تضعف أهم شريكين لها في المنطقة، تركيا والمملكة السعودية.

 

الدول الأوربية تسعى إلى إنهاء الصراع، وترى في استمراره خطرا على مستقبل الاتحاد الأوربي نتيجة أعداد اللاجئين المتزايدة، ولكنها غير قادرة على اتخاذ الخطوات الضرورية بعيدا عن الدعم الأمريكي. أما الدول العربية  فتبدو منقسمة حول كيفية التعاطي مع سورية إلى أنظمة عسكرية وطائفية متعاطفة مع نظام عسكري وطائفي بامتياز، وإلى دول داعمة للثورة راغبة في التغيير، ولكنها غير قادرة على التحرك خارج الإطار الأمريكي في صراع دولي يستدعي تحالفات دولية.

المعارضة السورية بدورها لا زالت منقسمة ضمن تكتلات متنافسة يجمعها رفضها لبقاء نظام الأسد، ولكنها لم تتمكن بعد خمس سنوات من انطلاق الثورة من تشكيل نواة صلبة، وبالتالي فهي غير قادرة على تطوير بنية تنظيمية وخطة استراتيجية متماسكة لمواجهة التطورات السياسية والعسكرية.

هل نحن فعلا داخل حلقة مفرغة؟ المأساة السورية تعكس عمق الأزمة التي تعاني منها شعوب منطقة المشرق على كافة المستويات، بدءا في المستوى الأخلاقي والثقافي، ومرورا بتهافت المؤسسات المحلية والإقليمية، وانتهاء بنقص شديد في القدرات القيادية والإدارية. الاضرابات التي تعصف في المنطقة قد تساعد في تجاوز بعض هذه المشكلات، ولكن تحقيق ذلك سيحتاج إلى وقت مديد.

 

سورية شكلت عبر التاريخ، ولم تزل، مفصل الحياة السياسية في المشرق. تجاهل الوصول إلى حل عادل للصراع يشكل اليوم خطرا كبيرا على الاستقرار الإقليمي والدولي، مع تزايد التطرف في المنطقة العربية وتقدم اليمين المتطرف في الدول الأروبية ومناطق أخرى من العالم. مثل هذه التطورات تشكل تهديدا مباشرا على مستقبل المنظومة الدولية التي عملت دول العالم على تطويرها منذ منتصف القرن الماضي.

 

 

علِّق