عدد القراءات: 610

عودة عمران

 

في شهر آب 2016، تحول الوجه الجامد المصدوم للطفل السوري عمران إلى رمزٍ شاهد على سفالة الإنسانية ووقاحة السياسة في طحنها للبشر.
التصقت صورة الطفل المذهول بوجدان العالم أجمع، وزادَه التصاقاً مشهدُ إعلامية شبكة CNN الأمريكية "كيت بولدوان" التي لم تستطع السيطرة على دموعها أثناء عرض الصورة على هواء الشبكة، وهي تعرض تفاصيل الحرب والقصف الروسي على منطقته، دون أن تسمح لها "المقاييس الإعلامية" بتسمية من هاجمه على الأقل.

وفي تشرين الأول 2016 وفي مقابلة لبشار الأسد على قناة SRF1 السويسرية، عرض الإعلامي صورة عمران (الناجي من القصف الروسي) وسأل الأسد عما إذا كان يعرف هذا الطفل المصدوم المغطى بالدم وإذا كان لديه ما يقوله له أو لأسرته. أجاب الأسد أنه يعرف عمران وادعى أن هذا الطفل بالتحديد قد تم إنقاذه مرتين في حوادث مفبركة تروج للخوذ البيضاء ولجبهة النصرة.

 

لم يطل حبل هذه الكذبة كثيراً، ففي الشهر ذاته وعلى شبكة روسيا اليوم ظهرت أسماء الأسد لتتحدث عن عمران أيضاً، وأظهرت تعاطفها الشديد معه، ولم تنكر حقيقةَ مأساته، وأن ما حدث له واقع مؤلم، لكنها استنكرت أن يحظى وحده بالاهتمام الإعلامي دون غيره من الأطفال السوريين!

وكعادة البشر والتاريخ، بَهُتت صورة عمران - كما بَهُتت من قبلها 55 ألف صورة لضحايا التعذيب في المعتقلات السورية سربها المصور قيصر.

فبعد أن احتفى العالم بالطفل وأطلق العنان لساعاته الإعلامية في الحديث عنه واستثمار قضيته، انتهى دوره وانعدمت أهميته، وعلى ذلك عادت الحياة إلى طبيعتها، واستمر قاتله بسفك الدماء والابتسام بوقاحةٍ على شاشات التلفاز. أما الولد نفسه وعائلته فقد تُركوا لمصيرهم داخل سوريا، والذي كان - وفقاً لما نشرته فوكس نيوز في 17 أيار الماضي - تحت الإقامة الجبرية في حلب/ سوريا.

 

كاد الناس ينسون الطفل عمران ومأساته لكن شركة الاتصالات (زين)كان لها رأي آخر لتفاجئ العالم العربي في رمضان الحالي حيث بثت إعلاناً جديداً بدت ملامحه ورسالته في فصل الإسلام عن الإرهاب، لكنها لم تتقيد بأي من الأخلاق الإسلامية حينما أوردت جملة قالها طفل سوري جريح نتيجة القصف الهمجي للنظام السوري: (بدي قول لـ الله كل شي عم يصير) وحولتها للغة الفصيحة (سأخبر الله بكل شيء)، ثم استخدمت الطفل عمران لتصوره - زوراً - ضحيةً للإرهاب الإسلامي المتشدد، وفي ذلك محاولة لتشويه معاناة السوريين والمتاجرة بألمهم وما يتبع ذلك من تلميع لصورة النظام الأسدي الإرهابي، وتبرأته من جرائمَ ارتكبها وما يزال.
هذا التشويه أدى الى غضب وسخط بين أوساط السوريين الذين أطلقوا هاشتاغ #زين_تشوه_الحقيقة رداً على فبركةٍ أكبرَ من أن تمر دون انتباه. وتحوّل هذا الهاشتاغ إلى حملة ضخمة تضمنت عريضة للتوقيع (آفاز) ضد عرض الإعلان، والعديد من المقالات والتقارير على بعض القنوات وكان يبدو أن هذه الحملة ستؤتي ثمارهاقريباً. ولكن بعد ذلك حدث  ما لم يتوقعه أحد، حيث جاء  إعلام النظام بأبي عمران ليصرّح بأن ابنه المصدوم كان ضحية الإرهاب!!
 

هذا يطرح السؤال التالي: هل تحوّلت (زين) من شركة للاتصالات إلى فرع للمخابرات السورية؟ وهل درجة التنسيق بينها وبين النظام الأمني السوري وصل إلى هذا الحد؟ أم القصة محض صدفة استغلها النظام وإعلامه ليأتي بأبي عمران ويؤكد ما جاء في الإعلان المشبوه؟

لا شك أن لشركة زين الفضل الكبير في إتاحة الفرصة للنظام السوري بأن يستكمل كذبته الأولى التي بدأها رئيسه، بينما احتفى إعلاميو النظام ومؤيدو إجرامه بنصر زائف وكذبة أخرى في وجه ألم السوريين وفوضى الإعلام في العالم.

عمران ليس الطفل الوحيد الذي طاله هذ الإجرام، والحكاية ليست حكاية مصير هذا الطفل وحده، وتكذيب قصته أو تصديقها. إنها حكاية الظلم الذي يطحن السوريين جميعا في كل يوم. إنها حكاية يعرفها السوريون ويسمعها العالم ويتجاهلها على الدوام. لكن الأدهى والأمرّ أن الاحتيال والتشويه هذه المرة لم يكن بأيدي الساسة، بل بأيدي أصحاب المال الذين يثبتون أنهم ليسوا أقل ولعا بالدماء من ساستهم وحكوماتهم.

علِّق

المنشورات: 1
القراءات: 610

مقالات الكاتب