صورة eiad
نشرت في .April 29, 2015

عندما انتهى من كتابة رقم على جثة جاري واقترب بقلمه ليكتب رقمي على جثتي، كان وجهي أكثر شحوباً مما توقعت، قررت أن أحاول مع الرجل عله يكتب اسمي عوضاً عن رقم، همست بأذنه كي لا يسمعنا زميله الذي يحمل ملفات الأرقام، وقلت له إن أمي قد لا تتعرف على عظامي، فلطالما كانت تداعب خدّي بأصابعها لتتأكد أن رائحة طعامها تغلغلت في لون المسام فتوردت، تجاهل الرجل كلماتي ووضع القلم على جبيني ليرسم أول رقم، قلت في نفسي حسناً قد لا يعرف اسمي، فهمست له من جديد، إن الأجساد تتحلل، حبذا لو تلفظ الرقم لكي أحفظه، لم يجبني لكنه قال لزميله إن جبيني جيد لكتابة الرقم.
مازال جاري مبتسماً منذ أن غادرت روحه، أثارت ابتسامته ذلك الرجل الذي يحمل ملف الأرقام، فطلب من زميله أن يخفي الابتسامة بخربشات القلم، لكن جاري وكلما تحرك القلم على وجهه ازداد ابتساماً، في الزنزانة كان قد قال لي إن أمه أخبرته أنه عندما وُلد كان يضحك، وهنا أيضاً كان كلما عاد من عقوبة السجّان يضحك فيضحكنا جميعاً، رغبت أن أضحك مثله عندما تجاهل الرجل طلبي بأن يعطيني الرقم ومرّر رأس القلم على جبيني، فسقط القلم من يده، قال لزميله هذا جبينه كقطعة رخام.
لا أذكر آخر مرة أطعمونا فيها بقايا خبز متعفن، لكني أذكر أن عظام جاري بالزنزانة كانت أطول من عظامي، أما عظام وجهي فكانت أكثر لمعاناً من عظام وجهه، ربما شعاع الضوء المتسرب من أسفل باب الزنزانة كان هو الذي يعطي لعظامي بريقها.
حين اقترب الرجل ليمسك قلمه من جديد أصبح رأسه أقرب إلى وجهي، كان زميله خلفه يجهز كاميرته لالتقاط صورة تذكارية لي فاقتنصت الفرصة وهمست له من جديد: هل من وقت لأبتسم للكاميرة؟ لم يجبني فسألته بطريقة أخرى: أما عرفتني؟ انظر بوجهي جيداً، تفاجأ من كلامي ورجفت يده، كان جسمي البارد يشبه برودة وجهه، لا أدري هو منذ أي وقت قد مات وهل حصل على رقم أم أنه ميت بلا اسم ولا رقم.
بعدما ارتعش جسده وهو يلم القلم، التفت إلى زميله حامل ملف الأرقام والكاميرة وسأله: هل لاحظت شيئا؟
أجابه بلا تردد نعم، إنه يشبهك

التعليقات

لا بد من هذه الجرعات المؤلمة من الالم أن تتسرب لادبنا و تاريخنا لانها ستكون مفيدة و تعمل عمل التحصين ضد الامراض.

الصفحات

علِّق