عدد القراءات: 4943

لماذا تعزف الكثيرات من الناشطات السوريات عن العمل السياسي ؟


أنتجت الحالة السورية والمخاض الثوري والسياسي في السنوات الأربع المنصرمة عدداً لا يحصى من التجمعات والأحزاب والقوى السياسية أو الثورية، وهو ما يناقض حالة التصحر السياسي التي شهدها المجتمع السوري في نصف القرن الفائت بسبب ايدولوجيا الحزب الشمولي والنظام الديكتاتوري،
والذي رافقه وجود أحزاب كرتونية كانت ظلاً لحزب البعث ضمن منظومة صورية سميت بأحزاب الجبهه التقدمية، وهنا تجدر الاشارة الى الحراك السياسي المعارض الشجاع الذي ولد في رحم القمع والذي تمت مواجهته بكل انواع التنكيل والاعتقال والنفي والتصفيه وكان فيه عدد من اسماء النساء الناشطات اللواتي تعرضن للاعتقال والتعذيب والتنكيل لسنوات طويلة.
وعلى الرغم من مئات القوى الثورية والسياسية التي ولدت في مخاض الثورة السورية، وبروز المشاركة النسائية الفاعلة في تشكيلها أو بولادة الثورة عموماً، الا أن مشاركة النساء السياسية في قوى المعارضة لم تتعد العشرات، ولم تكن توازي المشاركة النسوية الفاعلة على الأرض ضمن حالة من العزوف السابق أو الإبتعاد اللاحق عن المشهد السياسي بقرار من النساء أنفسهن أو عبر سياسات ممنهجة قامت بها تلك القوى من أجل تحجبم وتأطير مشاركة النساء، فيما لا يشكل لهن بالنتيجة مساحة كافية لترك الأثر الذي يردن ان يتركنه على خارطة العمل السياسي، من أجل خدمة الهدف التي تأمل بها معظم النساء و الثورة وهو تحقيق العدالة والمساواة والحرية والكرامة والديمواقرطيه.
لقد ساهمت عوامل كثيرة بعزوف النساء عن دخول العمل السياسي كان منها الصورة التي تركتها مشاركة من سبقتهن باقتحام العمل السياسي حيث نالهن القدر الكبير من التشويه والاساءه عبر حرب ممنهجة استخدمت بها الصحافة الصفراء ووسائل التواصل الاجتماعي وتواجهت انجازاتهن بعدم الاهتمام والاكتراث من إعلام تلك القوى على عكس ما كان يحصل مع قيادات تلك القوى من الرجال.
ومع استثناءات قليلة لبعض رجال السياسة الداعمين للمشاركة النسائية فقد تمت محاربة كل النساء الفاعلات من أجل ضمان عدم تحقيق وجود فاعل على الساحه السياسية، لأسباب كان منها العقلية الذكورية المترسخة عند تلك القوى، بما فيها تلك التي تسمى ذاتها بالقوى العلمانية أو الديمواقراطيه من جهة، والايديولوجيا المتطرفة التي لا تقبل بوجود النساء كشريك في العمل السياسي ولا ترى أن من حق المرأة القيام بهذا الدور طالما أن الرجل يقوم به من جهة أخرى، وذلك بسبب نظرة دونية غير مؤمنه بقدرات النساء على العمل السياسي أو حقهن في ذلك، أوعبر شخوص مريضة كانت ترى في حضور المرأة الكرازماتي منافسة حقيقة لوجودهم لايمكن لهم أن يتقبلوها فلجؤوا الى عمليات التحطيم الممنهج من أجل ازاحة النساء عن الطريق الى الواجهة السياسية.
لا يمكن أن نغفل أن هناك عوامل ترتبط بالإمرأة بحد ذاتها في بعض الأحيان، منها ضعف الثقة بالنفس عند البعض حيث تفتقد بعض النساء لعامل الجرأة لدخول هذا المعترك نتيجة الصورة النمطية المزروعه في ذهنية المجتمع للمرأة في السياسية، ساهمت برسمها سياسات النظام سابقاً والمعارضة لاحقاً عبرتكريس الصورة السلبية للنساء عموماً وعبر سياسات التخويف لما قد يصيب النساء في حال تم اعتقالهن ان كن في الداخل ومن خلال النظرة السلبية لبعض المجتمعات للنساء القويات ذوات الحضور وهو ما سبب عند بعض النساء خوفا او شعورا بانعدام الثقة بالمحيط أو النفس .
ويزيد على ذلك تحول شكل الثورة في سوريا الى مسلح وهو يناقض الفكر السلمي الذي يعبر عن كثير من الناشطات اللواتي ولدن من رحم الحراك السلمي بحيث بات لديهن شعور بأنهن لا ينتمين لهذه المرحلة، أو أنهن غير قادرات على أن يكن صناع قرار ضمن داومة الحرب والشعور بعدم الجدوى.
ان المشاركة النسوية الفاعلة في المعترك السياسي هي مصلحة وطنية عليا للسوريين نساء ورجال لأنها ستضمن ان نصف المجتمع السوري سيكون ممثلاً وحريصاً على رسم أسس سوريا القادمه بما يتوافق مع مبادئ العدالة والمساواة والحرية والديموقراطية، كما انه مصلحة عليا للنساء السوريات لأن المرأة حين ستكون صانعه قرار لن تقبل بأي اجحاف بحقوق النساء خصوصا وبحقوق الانسان عموماً وهو ما يعني تلافي أخطاء الماضي حين وضع القانون على يد الرجال.
وحتى تكون المساحه جاهزة لتلك المشاركة فان العمل على تمكين وتدريب النساء من جهة، ووضع أسس متوافق عليها من قبل القوى السياسية و مبادئ تضمن للنساء أن يكنَّ في كل مفاصل العملية السياسية والمفاوضات وصناعة الدستور والهيئة التأسيسية وهيئة الحكم الانتقالية بما يضمن مشاركة متساوية للنساء والرجال، وهو مايجب أن يكون متابعاً من الأمم المتحدة لتحقيق قراراتها ذات الشأن وخاصة القرار 1325 (2000) لمجلس الامن والذي  يشدد على أهمية مشاركة المرأة المتكافئة والكاملة كعنصر فاعل في منع نشوب المنازعات وإيجاد حل لها، وفي مفاوضات السلام.
كما أن منظمات حقوق الانسان يجب ان ترصد الانتهاكات المرتكبة بحق النساء عبر الاعلام من خلال التشهير والتشويه والتصفية المعنوية وخطاب الكراهية والذي يناقض الشرعه الدولية لحقوق الانسان، كما يجب ان تفّعل آليات للمحاسة القانونيه لكل الشخوص او وسائل الاعلام التي تنتهك القانون بحيث تسيء وتشهر دون دليل ودون حق قانوني .
لا نريد كنساء أن تكون مشاركتنا في السياسة مشاركة تزينيه للمشهد لأن النساء قادرات فعليا أن يكن جنبا الى جنب مع الرجال لرسم خارطة الطريق نحو سوريا الحرة ولبناء الانسان السوري والوطن من جديد ضمن مبادئ المواطنه وسيادة القانون والحرية والديموقراطية 
 

علِّق