نشرت في .January 08, 2016

 

اعتقل زوجها في مظاهرة أو مداهمة، كان بطلاً بنظر المجتمع، زيّنت صورته الصفحات، والكثير من الأهل والجيران وقفوا إلى جانبها وقدموا لها الدعم المادي والنفسي.

طال غياب الزوج، و كبُر مصاب السوريين تحت القصف والقتل والحصار، وازدادت وطأة الحياة على الجميع، وكثّر عدد المعتقلون والمقتولون ببراميل الموت. لم يعد أحد يأبه لبطولة زوجها ولمصابها.

طال الغياب أكثر، لم تعد تسمع شيئاً عن زوجها، ووجدت نفسها بلا سقف أمام أفواه جائعة، صار يجب أن تجد لها حلاً، عرض عليها أحد الزواج والستر، لكنها لا تستطيع لأنها ما تزال على ذمة رجل آخر، ثم كيف سيكون موقفها وقد باعت وخانت الحبيب وأب الأولاد، و مناضل اختفى وربما قضى لأجل حريتها وحرية كل السوريين؟

أيام فشهور فسنين، طال الغياب، والوقت يمرّ كالسكّين على رقبة الزوجة، وهي عاجزة عن الحراك، وكافة وثائقها المعطلة بسبب رجل في حياتها متواجد على الورق فقط.

إنها معاناة آلاف من السوريات اليوم، ملف مسكوت عنه لأن فيه قسوة إنسانية غير مسبوقة، و طعناً غائراً للضمير، فلا الزوجة قادرة على الاستمرار أكثر بلا معيل أو حامٍ لها ولأولادها في وجه الظروف القاسية والذئاب البشرية، ولا هي قادرة على تخيّل ما سيحصل إن كان الزوج حياً وخرج فوجدها مع رجل آخر…. لكن إلى متى انتظار المجهول.؟

السوري الجديد يفتح هذا الملف، ويناقشه من الجوانب الانسانية والقانونية، ويعرض شهادات للضحايا.


 

السوري الجديد: أحمد الحسن

Untitled-1.jpg

بحسب إحصائية مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية تعود لتشرين الأول 2015  الفائت، فقد تجاوز عدد المفقودين السوريين 109.535  مفقوداً، فيما تجاوز عدد المعتقلين (265) ألف معتقل، أما احصائيات الشبكة السورية لحقوق الإنسان  فقد قدذرت عدد المعتقلين بـ (215) ألفاً حتى العام 2015.

ليست هناك إحصاءات دقيقة عن عدد الرجال المتزوجين من المفقودين والمعتقلين الذين تركوا خلفهم زوجات، الا أن دراسة ميدانية للمفوضية العليا للاجئين بعنوان (صراع اللاجئات السوريات من أجل البقاء) تحدثت عن أكثر من (145) ألف لاجئة سورية تدرن بيوتهنّ بمفردهنّ، و اضطررن الى استلام زمام أمور الأسرة بعد أن فقدان الرجال.

بيانات المفوضية تشير الى أن (16) ألف شخص من الذين يعيشون في أسر لاجئة ترأسها نساء في الأردن ولبنان والعراق ومصر، هم في وضع صحي خطير وأن (1800) شخص منهم هم من المعوقين.

 

 

غياب الزوج… غياب مصير عائلة بأكملها

كثير من زوجات المفقودين -وبعد أن فقدن الأمل بعودة أزواجهن- بدأن يفكّرن بالمرحلة التالية، وكيف سيتابعن حياتهن، سيما وأنهن مسؤولات عن أولاد خلّفهم الزوج وراءه.

بعضهن أعلنّ صراحة أنهن بحاجة لقانون ينصفهنّ ويحسم وضعهنّ، ويطلّقهن رسمياً من أزواجهن، وهو مالا توفره ظروف الحرب السورية التي صارت الفوضى عنوانها.

بالإضافة الى مجتمع لم تغير الثورة بعد نظرته الى المرأة كتابع للذكر، لا يحق لها التحرك من دونه أو  تحصرها بموافقته.

 

امرأة-سورية-مع-ابنها-937x535.jpg

 

في أحد فنادق العاصمة التركية اسطنبول التقينا نوال ابنة الـ ٢٢ عاماً، وهي عاملة نظافة في الفندق وأم  لطفلة تبلغ الآن السنة السادسة من عمرها.

زوجها معتقل منذ مداهمات ركن الدين في دمشق عام ٢٠١٢، ولا تعرف عنه شيئا منذ ذلك الحين.

تقول نوال:

"قضيت أكثر من سنتين أبحث عنه بلا جدوى، زيارات متكررة الى كل من وزارة المصالحة الوطنية، والمحكمة العسكرية، والنيابة، ومشفى تشرين، والجميع يقول لي: ليس له اسم عندنا .. حتى فرع الميسات القريب والذي داهم عناصره  بيتي واقتاد زوجي من فراشه عند السادسة صباحاً، قالوا لي: ليس عندنا هذا الاسم"

قررت نوال بعد أكثر من ثلاث سنوات من المعاناة طلب الطلاق من زوجها، ولا سيما بعد أن أرهقتها ازعاجات الحواجز لها باعتبارها زوجة إرهابي كما صاروا يخاطبونها، وصارحت أمها بذلك ولكن الأم حذرتها ورفضت بشدة..

تقول نوال: "قالت لي أمي: ستكونين أمام الجميع خائنة لزوج لا نعرف ماذا يعاني في المعتقل، و حتى إن قبلنا، فمن أين لك بمصاريف القضاء والمحاكم؟؟"

في النهاية قررت نوال السفر خارج البلاد، ولكنها لن تستطيع أن تأخذ ابنتها دون موافقة الأب، وسألت أحد المحامين عن ذلك، فأخبرها انها تحتاج إلى سلسلة طويلة من الاجراءات، و أن الافضل طلب الطلاق من الزوج، وهذا سيكلّف ما يزيد عن مائة ألف ليرة وقد يطول الأمر لستة أشهر أو سنة.

فلم تجد خياراً إلى الخروج مع صديقتها وابنتها تهريباً إلى تركيا.

 

أم محمد مدرّسة من داريا أعتقل زوجها من أحد حواجز داريا في نهاية عام 2011 بصحبة ابن عمه، ومن يومها بدأت رحلة البحث عنه بين الأفرع والمراكز الأمنية. قدمت أكثر من عشر طلبات ما بين المحكمة العسكرية في القابون ومشفى تشرين والقصر العدلي والأمن الوطني في المزة في مراجعات متواصلة خلال أكثر من سنتين، وكانت النتيجة دوما (لا يوجد عندنا هذا الاسم).

استنزفت رحلة البحث عن الزوج مدخراتها ومساعدات الأهل وأهل الزوج، ورغم حاجتها وأولادها الستة الى المال الا أنها كانت تضحي بمعظمه في سبيل معرفة مكان زوجها، او الوصول إلى أي معلومة عنه، ولكنها لم تصل الى أي شيء.

لم يكن بحث (أم محمد) عن زوجها مشكلتها الوحيدة، تقول:

"خلق لي هذا الوضع عشرات المشاكل اليومية، فكل وثيقة تحتاج وجود الزوج كانت تعرقل، حتى وإن كانت تعني مصير عائلة باكملها، فلم أستطع أن أفعل التصرّف بما يملكه زوجي لأعين عائلتي على تادية حاجتنا الأساسية، وكل معاملة تتعلق بالأولاد كانت تحتاج حضور عمهم أو جدهم وهو ما كان مستحيلاً بسبب خروجهم الى الأردن بسبب الحرب"

أم محمد زوجة أب مفقود، ولكن لا وثيقة رسمية تثبت ذلك، وأخ الزوج وأباه ليسا داخل البلد، ولكن ايضاً لا وثيقة رسمية تثبت ذلك بسبب خروجهم تهريباً من درعا الى الأردن، لذلك كانت تغلق بوجهها أبواب المعاملات الروتينية اليومية، وإن اضطرت الى واحدة منها ولم تستطع تجاوزها، لجأت الى سمسار ينجز معاملتها بمبالغ كبيرة هي بأمس الحاجة لها.

مع تزايد الاعتقالات بين معارفها صارت أم محمد تشعر باقتراب التهديد إليها بالاعتقال، ثم تأكدت من ذلك عبر سماسرة الأمن الذين أكدوا لها أنها باتت مطلوبة، فما كان منها الا الخروج الى لبنان بصحبة أولادها مغامرة بآخر مبلغ تبقّى لديها من أجل أن تضمن عبوراً آمناً هي وأولادها على الحاجز.

تخوض أم محمد اليوم معركتها من أجل حقها الإنساني في بناء حياتها من جديد وهي تعرف أن هذا هو حقها الذي اعطتها إياه الأديان والقوانين، فهي لا ترغب أن تقضي بقية عمرها كامرأة لمفقود، وتعتقد أن لديها الحق بفسخ عقد زواجها لتتزوج من جديد ممن يمكن أن يكون لها سنداً فيما تبقى لها من حياتها وفي هذه الظروف القاسية بالذات

 

لكن بالمقابل يبقى لهذه القصة وجه درامي مؤلم آخر لا يقل قسوة ايضاً، فقد عرفت الحرب السورية حالات طلاق وزواج لزوجات مفقودين شهدن عودة الزوج المفقود بعد الزواج، منها هذه الحالة استطعنا توثيقها في ريف حمص.

 أم جمال هي ام طبيب معتقل منذ ٢٠١٢ بسبب اتهامه باجراء جراحة لمصاب في يإحدى مظاهرات حمص، وجاءهم خبر مقتله بعد ستة أشهر من اعتقاله وقامت العائلة بواجب العزاء، وكعادة اهل الريف السوري جاء أهل زوجته لأخذ ابنتهم فلم تتحمل أم جمال بعد حفيديها عنها مع موت أبيهم، وقررت تزويجها لابنها الثاني حتى يسمح لها أهلها بالبقاء مع ولديها عندهم.

بعد تزويج كنتها لابنها الاآخر بأشهر، تلقت أام جمال اتصالا من أحد المعتقلين المفرج عنهم يؤكذد لها فيه بأن ابنها الطبيب لم يمت وهو معتقل في الامن السياسي وهي اليوم تعيش عذاباً يومياً، فلا هي تستطيع إخبار ابنها أن اخاه الذي تزوج زوجته لم يمت، ولا هي تستطيع إخبار زوجتهبذلك، ولا هي قادرة على قول ذلك أيضاً لابنها المعتقل إن أفرج عنه.

فمن يعرف ماذا سيكون حاله حين يعود ليجد زوجته زوجة لأخيه بعد كل هذه السنوات!!!

 

تجارة البحث عن المفقودين

بعيداً عن الاحصائيات يدور الحديث في الأوساط الشعبية عن عشرات الآلاف من الزوجات المسجونات في سجن انتظار عودة الزوج.

وعدا عن محركات البحث لعدد من المواقع والمنظمات الحقوقية المتخصصة، تتابع عدة صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي أخبار المفقودين السوريين ممن لم ترد أية أخبار عن تواجدهم في سجون النظام السوري أو سجون بعض التنظيمات المسلحة، ولم يتم ايجاد أسمائهم في القوائم المسربة للمعتقلين أو الشهداء، من أبرز هذه الصفحات:

(المفقودين في سوريا Missing in syria)  و كذلك (مفقودين وشهداء مجهولي الهوية في سوريا‎) والتي يبدو من منشوراتها أن أغلب المفقودين هم من الرجال من الشريحة العمرية 16-45 عاماً. لا أحد يعلم على وجه الدقة عدد المتزوجين من هؤلاء المفقودين، لكن الأعراف السائدة ترجح أن معظم من تخطوا الثلاثين هم من المتزوجين.

في تلك الصفحات وسواها يمكن أن تلمس حجم معاناة ذوي المفقودين، سيما النساء اللائي يشكلن النسبة الأكبر من أولئك الباحثين عن أحبتهم. هناك يمكن أن تقرأ ببساطة منشورات من قبيل (زوجي فلان عمره كذا يلبس كذا اعتقله فرع كذا وكان يلبس كذا، اذا شاهده أحد أو عرف مصيره يرجو التواصل معي على الهاتف أو البريد الالكتروني) وعلى ذات المنشور ستقرأ أيضاً في التعليقات (أعاده الله لك سالماً وأنا أيضا أبحث عن زوجي اسمه كذا…..)

في المقابل تتواجد شبكات يديرها سماسرة وتجار ومهوسون جنسياً، على الأرض وعلى وسائل التواصل الاجتماعي تستغل حاجة الزوجات لمعرفة أية أخبار عن أزواجهن، ويقدم هؤلاء أنفسهم عل اعتبار  لهم مصادرهم اتصالاتهم حتى مع ضباط من النظام ويستطيعون الحصول على المعلومات، وفي بعض الأحيان يكون أولئك من ضباط النظام السوري نفسه، والذين يبتزون أهالي المعتقلين للحصول على معلومات عن ذويهم  مقابل مبالغ مالية، وقد يصل الأمر  مستوى الابتزازات الجنسية.

تقول آمنة اللاجئة في لبنان، التي رفضت الكشف عن هويتها:

"بعد أن قرأ منشوري التي أعلن فيها فقدان زوجي في المخابرات الجوية على إحدى صفحات الفيسبوك، ارسل لي يقول أن شقيقه يعمل ضابطاً في المخابرات الجوية بمطار المزة، وأنه يستطيع أن يأتي له بالخبر اليقين، تفاعلتُ معه، وأوهمته أن زوجي ضحية ولا علاقة له بأي نشاط معادي للدولة، بل وأنه كان ضد المظاهرات منذ اليوم الأول للثورة، في النهاية طلب مني مبلغ 200 ألف ليرة أرسله إلى أحد معارفه بلبنان مقابل أن يأتي لي بخبر عن زوجي وصورة له من داخل السجن، أخبرته أنني لاجئة في البقاع وأعيش فيما يشبه الزريبة وليس لدي مثل هذا المبلغ، وبعد طول نقاش بدأ يلمح إلى مقايضة أخرى وطلب مني أن أتواصل معه على السكايب في وقت متأخر من الليل، أخذت الأمر بحسن نية وأقنعني أنه لا يستطيع الحديث إلا في الليل ليتواصل مع شقيقه خلال المناوبة الليلية، فتح لي الكاميرا لأكتشف هدفه الحقيقي من كل ذلك "

 

نوال هي الأخرى استنزفت مدخراتها الذهبية الواحدة تلو الأخرى على يد أحد السماسرة حتى انتهت إلى بيع أثاث بيتها وأجهزتها دون ان تحصل على اية نتيجة.

فاضطرت للعمل لتأمين مصروفها ومصروف ابنتها، إلا أنها بدلت عملها عدة مرات خلال فترة لا تتجاوز السنة، تقول نوال:

" ما إن يعرف أحدهم أنني زوجة مفقود حتى تبدأ الديباجة نفسها، من أحاديث الشفقة علي كامرأة ضعيفة مع القليل من بهارات التعاطف مع حاجاتي الإنسانية التي تعني تعبيراً مهذباً منهم للابتزاز الجنس ، إلى درجة أنني صرت احسب كل متعاطف معي -حتى لو كان صادقاً فعلاً- إنما يريد مني شيئاً " .


 

في مناطق النظام

في ٢٦  كانون الأول ٢٠١٢ أصدر مفتي النظام السوري أحمد حسون فتوى تقول " بأن كل امرأة تقدم اثباتاً أن زوجها مفقود، وتختم اوراقها لدى وزارة الاوقاف، لها الحق بالزواج عوضاً عن انتظار سنوات لمعرفة مصيره، أما إن كان الزوج موجوداً في السجن، فذلك يعني أنه غير مفقود "

كانت تلك الفتوى موضع استهزاء من شرائح كثيرة من المجتمع السوري الافتراضي والواقعي، حيث قال البعض إن نصف أهل سوريا مفقودون بأفرع الأمن والمخابرات، وهم أولى بفتوى إطلاق سراحهم وليس طلاق نسائهم وزواجهن، وكتب آخرون ساخرين أيضاً أن أهم شيء للمرأة في وقت تعيش فيه البلاد حرباً حقيقية هو الزواج والطلاق..!!

لكن رغم كل السخرية التي قوبل بها كلام حسون، فقد كانت الأرقام الهائلة لأعداد المفقودين من الأزواج تشكّل مشكلة كبيرة لزوجاتهم، لا تقل عن فظاعة عن اعتقالهم أو  فقدانهم.

القاضي محمود معراوي.jpg

في تصريحاته لجريدة تشرين الرسمية تحدث  القاضي الشرعي الأول بدمشق محمد معراوي في آخر مقابلاته مع الصحيفة عن (9000) حالة طلاق في العام 2014 وبمعدل 30 حالة يومياً، في حين كانت في عام 2013 بمعدل (120) حالة يومية، مرجعا سبب ذلك الى خروج الكثير من المناطق عن سيطرة النظام ومحاكمه.

كما ذكر القاضي الشرعي الأول أيضا أن مجموع حالات الطلاق الإداري لعام 2014 بلغ (577) حالة، وأن معظم الحالات في الطلاق كانت غيابياً بحيث شغل الطلاق الغيابي وهو ما يظهر فداحة اعداد نساء المفقودين.

وفي معرض تفصيله لجريدة تشرين ذكر القاضي معراوي أنه مع بداية الأزمة كثُر عدد المفقودين والمهاجرين، ومنهم من خرج بشكل غير مشروع من البلد ويعيش في مخيمات النزوح ولا يعلم عنه أهله شيئاً، وهنا لا تعرف الزوجة عن حال زوجها شيئاً فتطلب التفريق بسبب الغيبة بعد مرور سنة على الغياب، أو بسبب الضرر الذي لحق بها من جراء غياب زوجها، وهذه الدعوى لا تتقيد بمدة معينة ويتم تبليغ الزوج إلى آخر مسكن له إن لم يعرف عنوانه الحالي، وإن كان المسكن في منطقة ساخنة يتم تبليغه مذكرة الدعوى بإحدى الصحف الرسمية قبل خمسة عشر يوماً على الأقل من موعد الجلسة ثم يبلغ ثانية مذكرة -إخطار- بالطريقة نفسها ويصدر الحكم بغيابه، وبعدها تتم إجراءات التحكيم التي يجب أن تستغرق أكثر من شهر ثم يصدر الحكم.

 

على أن ذلك لا يعني أن هذه المشكلة تم حلّها في مناطق سيطرة النظام، ففي كثير من الحالات تخشى زوجات المعتقلات مراجعة الجهات الرسمية لطلب الطلاق، فجزء منهن متوارٍ عن النظام أصلاً، ويخشين اعتقالهن بسبب أزواجهن، سيما مع تكرار حوادث اعتقال السيدات حتى في دوائر القضاء والقصر العدلي التي يراجعونها لإجراء معاملات الطلاق.

ولم تقتصر هذه التهديدات على مناطق النظام، فحتى في لبنان لم تنجح الزوجات في إجراء معاملات الطلاق عبر الأجهزة الرسمية اللبنانية وممثليات النظام السوري، لأن تلك الاجراءات تدفعهنّ لمموت:

تقول أم محمد المقيمة في لبنان:

"خرجت لأطرق الأبواب الرسمية من أجل حقي بالطلاق فلم تقبل أية جهة لا في السفارة السورية ولا في القانون اللبناني ولا حتى دار الإفتاء ذلك، وأخبروني أن قراراً كهذا لا يملكه إلا القاضي الشرعي في سوريا، ما يعني أنني يجب أن أعود لسورية وأصل إلى القضاء على قدمي وهو ما قد يكلفني اعتقالي في ذات المكان الذي احتكم إليه...أو ربما على الحدود قبل أن أصل.


 

في مناطق المعارضة

لشيخ مضر رضوان.jpg

في لقاء صحفي  لرئيس القضاء الشرعي في القسم المحرر من حلب الشيخ مضر رضوان مع موقع عربي 21 ، ذكر الشيخ أن دعاوى الطلاق تشكل 50% من دعاوي المحكمة الشرعية وتشكل دعاوى التفريق بسبب غياب الزوج 20% من هذه الدعاوي وأن المحكمة لا تأخذ مدة الغياب في الاعتبار إذا لم تتجاوز السنة.

 

لكن رغم ذلك يبدو أن الحال ليست أفضل حالاً في مناطق سيطرة قوات المعارضة السورية.

طُلّقت هنادي المقيمة في عندان بريف حلب من زوجها المفقود منذ 2012، وتزوجت بعد عدة شرعية قررها قاضي الهيئة الشرعية في عندان ووثقت طلاقها وزواجها في الهيئة الشرعية.

تقول هنادي:

"هذا الطلاق والزواج بعده مجرد حبر على ورق، ولا يصلح الا في مدينة عندان وباقي الريف في حلب الذي تتقاسمه النصرة والحر وداعش"

وتضيف أنها لاتزال لا تملك من الوثائق إلا وثيقة زواجها من زوجها الأول ودفتر العائلة الذي يظهرها كزوجة لزوج لم يعد موجوداً، وهذه الوثيقة لا تسمح لها بأي حركة خارج حدود مدينتها تل رفعت، وإن اضطرت يوما للخروج خارج سوريا فلن تجد أمامها الا الوثائق المزورة التي تحاكي وثائق النظام، وهي وثائق لا تصلح في أي سفارة له.

أما إن طلقها زوجها الجديد أو حملت بولد منه، فلن تستطيع تسجيله بأية وثيقة رسمية، ولن تضمن أي حق من حقوقها القانونية خارج إطار الهيئة الشرعية في منطقتها، وربما لن تضمنها حتى في منطقتها حسب قولها للسوري الجديد.


سألنا أيضاً  أبو بكر الحلبي أحد موظفي المحكمة الشرعية للمناطق المحررة بحلب وريفها، فأكد لنا كلام هنادي، مبرراً ذلك بعجز المعارضة السورية عن إيجاد أي كيان معترف به قانونياً في أية دولة في العالم، وأن الهيئات الشرعية صنعتها حاجة الناس إليها، وهي توثق الأحوال الشخصية وتعترف بها في مناطقها ولا تملك أكثر من ذلك.

وحين سألناه عن الاجراء المتبع في الهيئات الشرعية لزوجات المفقودين قال الشيخ:

"حين تأتي الينا امرأة وتطلب الطلاق بعلة غياب الزوج، نتحرّى عن حقيقة اختفاء الزوج، ونراعي مدة اختفائه، على ألا تقل عن سنة، فإذا رجح لدى القاضي الشرعي عدم عودته بناء على المعطيات الموجودة أمامه حكم بطلاقها، وأذن لها بالزواج من آخر بعد انتهاء عدتها"

كما ذكر القاضي انه حكم بطلاق أكثر من خمس حالات تزوجت ثلاث منهن، مضيفاً ان الهيئة وثقت أكثر من 25 حالة طلاق لزوجة مفقود في ريف حلب.

12077417_923257764406378_1355142592_n.jpg

أما الناطق الإعلامي في مجلس القضاء الحر، فقد تحدث بألم عن تجربة مجلس القضاء الموحد بحلب والتي لم تستمر أكثر من أشهر والتي كانت يمكن ان تحل هكذا إشكالات وتنال على الأقل اعترافا رسميا دوليا، لكن التجربة مثل مثيلاتها اصطدمت بمحاكم الهيئات الشرعية ومحاكم الكتائب ثم جاءت داعش فأنهت ما تبقى منها.

يقول الناطق الإعلامي:

"لقد عجزنا في مجلس القضاء الحر ووزارة العدل في الحكومة المؤقتة عن نيل أي اعتراف دولي يسمح لنا بإعطاء وثائق الطلاق والزواج التي تقبلها سفارات العالم وتفيد السوريين في دول الجوار، كما فشلنا تماماً في الدخول في مناطق المعارضة لإعادة إحياء الجسم القضائي فيها وكل ما نملكه الان انتظار سقوط النظام فقط وتأجيل كل شيء الى ما بعده"

لكن الدكتور إبراهيم سلقيني يحمل الائتلاف المسؤولية الأكبر لأنه لم يسعَ الى سدّ الفراغ القانوني وحاجة السوريين في المهجر والمناطق المعارضة الى جسم قضائي، يعطيهم الوثائق اللازمة ويمنع إهدار ما بقي من حقوقهم بعد القتل والتشريد، فهو المسؤول عن كل هذه الأمور طالما لم يستقيلوا وكل اعذارهم لا تقبل.

 

المرأة السورية في دول الجوار محرومة من ابسط حقوقها حتى إشعار آخر:

تقول الدكتورة غيداء الخبيرة الاجتماعية في جمعية سنابل السورية في إسطنبول:

"هناك الآلاف من النساء السوريات في تركيا ولبنان وسوريا تعانين مشاكل غياب جهات توثق طلاقهن رغم غياب ازواجهن منذ سنوات، وهؤلاء النسوة لا يستطعن اللجوء الى محاكم النظام بسبب الخوف من الاعتقال، لأنهن يعتبرن خارجات بشكل غير مشروع من سوريا، وهي تهمة كافية لسوقهن الى الأفرع الأمنية المنتشرة في مناطق النظام، وبنفس الوقت لا يستطعن الاستمرار معلقين على حبل الانتظار بلا نهاية، خاصة أن كل الفتاوى التي تقدم لهنّ تصرّ على حصر أمر الطلاق بيد القاضي، وهو ما يجبرهن على العودة الى سوريا تحت خوف الاعتقال في مناطق النظام أو مخاوف التعرض للمخاطر في مناطق المعارضة التي تتشدد تجاه المرأة في حالات سفرها لوحدها او مخاطر القصف وخطر الحرب "

وتذكر الدكتورة غيداء حالات كثيرة اضطرت فيها المرأة الى اللجوء الى مواقع تزوير الوثائق المنتشرة في الصفحات التفاعلية، من أجل الحصول على وثيقة طلاق مزورة تستعين بها من أجل الزواج مرة أخرى، وتؤكد الدكتورة أن هذا لا يحل أي مشكلة وربما يعقدها أكثر، لأن زواجها الثاني أيضا لن يكون موثقاً، وستكون عرضا لاستغلالها من الرجل في قضايا دعارة او خدمات جنسية وربما رميها أيضا بدون حقوق.

وعن الأسباب التي تدفع السوريات الى طلب الطلاق، تتحدث الدكتورة عن الكثير من الأسباب لكن أهمها الحاجة الإنسانية ولاسيما في ظل ظروف الحرب الى من يكون سندا اجتماعيا وعاطفيا للمرأة ولاسيما في ظل تعاطي المجتمع الشرقي مع المرأة بلا زوج وكأنها صيد سهل ولاسيما في بلاد الغربة، حيث تكون المرأة لوحدها أمام ظروف الحياة وأباء الغربة.

 

هل تعجز الأمم المتحدة عن حماية المرأة السورية

تتساءل الدكتورة غيداء:

"هل تعجز المنظمات الدولية والسورية عن إيجاد آلية تشرف عليها الأمم المتحدة تتولى تنظيم وتوثيق هكذا حالات بحيث تعتبر كوثائق مؤقتة تصلح للتداول في دول الجوار وسفارات العالم، وخاصة مع تواجد الكثير من السوريين المختصين في القضاء والشرع في هذه التجمعات مما يمكن ذلك؟"

وتضيف: "إننا في القرن الواحد والعشرين، قرن منع التمييز بسبب الجنس وعصر حقوق المرأة، فلماذا تهمل المنظمات ابسط حقوق المرأة السورية؟"

لافين.jpg

في حديثها للسوري الجديد أكّدت الدكتورة لافين دونماز من المركز التركي لرعاية النساء المعنفات، على الحاجة الى جهة سورية أو أممية تتولى حلّ مشكلة زوجات المفقودين والمعتقلين وتمنع  بقاء أسرهن كسجينات انتظار، وتحدثت عن عدة حالات مؤلمة صادفتها في عملها في المركز .

من هذه الحالات امرأة سورية بعمر الـ ٤٢ اعتقل زوجها منذ أكثر من ثلاث سنوات، واعتقل زوج ابنتها أيضا معه، فهربت هي وابنتها الى تركيا لتقررا الزواج في عنتاب من أب تركي وابنه بعد معاناة اكثر من سنتين من الانتظار هناك، والعيش في ظروف سيئة للغاية. وما كادت حياتهما تستقر بالزواج حتى قام أحد أقربائهما بإبلاغ التركي وابنه اأنهما لا زالتا على ذمة رجلين معتقلين، فقام و ابنه بتقديم بلاغ يتهمهما بالنصب والزواج منهما رغم أنهما متزوجتان، فما كان من البنت و أمها الا الهرب خوفاً من الشرطة لتقعا في يد عصابة تستغل الفتيات في أورفة لتسقطا بعد فترة في قبضة الشرطة بتهمة الفاحشة والدعارة .

حسب الدكتورة لافين ، لو وجدت جهة رسمية تنصف هاتين المرأتين وتعطيهما وثيقتي طلاق لما كانتا اليوم في السجن بتهمة الدعارة.

كما وثقت الدكتورة عدة حالات في مركزها لسوريات من زوجات معتقلين او مفقودين تزوجن اتراك وقتلن على يد اقربائهن تحت اسم الدفاع عن الشرف وتقول الدكتورة:

"يبدو ان المجتمع السوري مثل معظم المجتمعات الشرقية لازال لا يريد الاعتراف بحقوق انسانية للزوجة غير النفقة والمال، فلماذا يعتبر مشيناً أن تحتاج امرأة رجلا يكون معها في هذه الظروف السيئة التي يعيشها السوريون، هل يكتب على المرأة ان تموت مع زوجها ان كان مفقودا او معتقلا لا يرجى خروجه؟"

 

لا يمكن لتحقيق صحفي مهما توسعنا فيه الإحاطة بسجينات الانتظار، لكنه على الأقل يسلّط الضوء على معاناتهن الكبيرة مع التوثيق القضائي والتراكمات الاجتماعية التي لا ترى في حقوق المرأة الا النفقة.

يبدو أن الأمر بحاجة إلى إيجاد جهة مدنية تتولى تسهيل إجراءات التفريق في هكذا حالات حسب رغبة المرأة كخطوة أولى، لكن بعد ربما الحاجة أكبر  إلى تغيير الثقافة الاجتماعية لتعترف للمرأة بالحقوق التي تعترف بها للرجل، وبالذات الحاجات الإنسانية والجنسية التي ساوت الشريعة فيها المرأة والرجل.

 

التعليقات

لقد قمت باجراء الطلاق وبشكل قانوني هنا في لبنان .....في مكتب الهيئة للعلماء السوري ...وطبعا بعد رحلة عذاب وبحث وجدته .... ولقد تم الطلاق وبشكل شرعي وقانوني والحمد لله

علِّق